عبدالله بشارة يتحدث عن انتكاسات الرياضة وإخفاقات السياسة

زاوية الكتاب

كتب 598 مشاهدات 0


 

الكويت... انتكاسات الرياضة وإخفاقات السياسة
كتب:بقلم: عبدالله بشارة
 يتحدث سمو الأمير، وبصوت تلتقي فيه النصيحة مع التحذير، عن احترام الدستور وقواعده وضرورة الالتزام بها، ويقول موجها حديثه إلى أعضاء المجلس في جلسة النطق السامي: [حماية الدستور تكون بالالتزام بأحكامه في القول والعمل، وما شهدناه من خلاف وتجريح واختلاق لأزمات وفتن تكاد تعصف بوحدتنا الوطنية، إنما كان نتيجة لعدم احترام النصوص الدستورية، وتجاوز الصلاحيات الواردة فيه، وقد شعر أبناء وطنكم وهم يتابعون أعمال مجلسكم الموقر في دور الانعقاد الماضي بالكثير من المرارة والإحباط نتيجة انعدام التعاون وافتعال الأزمات وتواضع الإنجازات].
هذا الموقف المعبر والواضح وغير المسبوق في توجيهه إلى أعضاء البرلمان هو ترجمة لأحاسيس وتراكمات غير صحية أتعبت الجميع وعلى رأسهم سمو الأمير، الحصن الواقي لسلامة الدستور وسلامة الكويت.
وإذا كان الكلام في نقده اللاذع غير مسبوق، فإن الإشارة إلى احتمالات العلاج تطل علينا وبشكل غير مسبوق، وهنا يتفضل سمو الأمير قائلا: [وإذا كان البعض يريد أن يستغل ما تتمتع به من حرية للنيل من وحدتنا الوطنية، فإننا لن نمكنه من ذلك ولن نسمح لمن يريد الإضرار بالكويت التي هي لنا البيت ونحن أسوارها أن يصل إلى ما يريد].
واللغة هنا واضحة لا تترك مجالا للاجتهادات. فسمو الأمير المؤتمن على المصير يضع الكل أمام مسؤولياته ويعلن بأنه لن يسمح لمن يريد العبث والإضرار بالكويت مهما طالت قامته.
لم تأت هذه الملاحظات السابقة من فراغ، وإنما ولدتها الأجواء غير المسؤولة التي تسيدت المشهد الكويتي المحتقن، فلا جدال بأن الوضع انحدر أكثر مما نتوقع وأسرع مما كنا نظن. اختلطت فيه الأوراق وضاعت فيه الخطوط، بسبب التجاوز على الاختصاصات والعبث بنصوص الدستور، حتى تسيد أبناء الشعب الشعور بالمرارة والضجر، والكفر بالممارسات.
ويمكن إبداء بعض الملاحظات:
أولا: من المناسب أن يجمع رئيس مجلس الأمة ـ هيئة المكتب ـ ويضع مفردات النطق السامي أمام أعضاء الهيئة للتداول بحثا عن مواقع الخطأ وتحديد التجاوزات وفحص التطاول على الاختصاصات، ومعرفة مسببات عدم الالتزام بأحكامه في القول والعمل، مع تحديد نوع الفتن ومن اختلق الأزمات، وما هي الأهداف، ومن وراء هذه الأزمات؟، ومن هي المجموعة التي لم تحترم النصوص، وأن يتم ذلك بموضوعية ومسؤولية. وليسمح لنا السيد جاسم الخرافي ـ الذي نحترمه ونقدر ظروفه ـ بأن نشير له بأنه ليس من المناسب أن تمر نصائح سمو الأمير دون أن يحللها مكتب المجلس ويدرس مبرراتها ويعمل على صون المؤسسة الدستورية التي أنتجت البرلمان.
نصائح الأمير هي أوامر لا بد أن نقتدي بها، الهيئات والبرلمان والحكومة والأجهزة، وأكبر خطأ يقع في مكتب الرئاسة هو تجاهل الوضع وتركه دون وقفة جدية لعلاج حالة المرارة والإحباط التي يعيشها المواطن بسبب انعدام التعاون وافتعال الأزمات وتواضع الإنجازات.
ولا بد أن تدرس هيئة المجلس بالتعاون مع جميع الأعضاء المسببات التي أدت إلى الفوضى في سير الجلسات، حيث تتداخل الكلمات ونقاط النظام ويكثر الصراخ وتأتي المقاطعات بدلا من احترام اللائحة الداخلية.
ومن حق الرئيس على أعضاء الهيئة مساعدته في ترسيخ مفهوم الانضباط واستعادة الوقار في التعبير وفي فرض هيبة المقام.
فقد كنت أتابع الجلسة من خلال التلفزيون، وشعرت ـ مثل الآخرين ـ بالأسى للمستوى الذي انحدرت إليه أجواء الجلسة.
كتبت في مقالات سابقة وأشرت إلى أهمية خلق الهمة الجماعية لدعم الرئيس ومساعدته في مهمته، ليس فقط في إدارة الجلسات، وإنما في وقاية المؤسسة الديموقراطية من الخدوش والتشنيعات، فالرئيس يتحمل مسؤولية أخلاقية ومعنوية وسياسية في حماية الدستور، ومن حقه أن يجد الدعم من الأعضاء بدلا من التطاول على قراراته والاستخفاف بها.

ثانيا: من المناسب ممارسة التثقيف السياسي وبشكل دوري ومستمر، فالدستور الكويتي هو دستور النوايا الحسنة، والسلوك الخير، وهو نتاج الستينات حيث كانت الطينة مختلفة والقيم مرتفعة، فلا توجد أحزاب تحتكم لها الحكومة وإنما توجد حزمة من القيم والآداب التي تشكل المرجعية الأدبية.
ولا تملك الحكومة أغلبية تسعفها، وإنما تناشد التعاون معتمدة على الروح الوطنية والأريحية السياسية والشهامة البرلمانية.
لكن هذا كلام قديم، لم يعد يطرب أحدا، صارت الغايات مختلفة، وأدخلت السياسة أطيافا لم تخلق على المسرح السياسي عند إعلان الدستور، وتسللت الاهتمامات الفئوية والقبلية إلى قطاعات مختلفة وصارت عاملا مؤثرا في المسيرة الديموقراطية.
ونتيجة لهذا الواقع الذي لا يستجيب إلى النصح الصادق، ولا يتورع عن الاستفادة من كل فرصة وإن كانت غير دستورية، وإن تعارضت مع اللائحة، فليس أمام المؤتمن على الدستور إلا أن يأتي بما جاء به سمو الأمير في أنه لن يُمكن من يريد السوء للكويت، ولن يسمح له بإضرار الكويت، وقرار سمو الأمير هو الدرع الواقي لوقف هذه المشهد غير المريح.
ثالثا: سياسة التمييع هي التي ضرت البلد، ونعني بالتمييع تساهل الحكومات في تقويض النظام والعبث بالقانون والتدخل بالواسطات التي قتلت الانضباط العام للدولة. وهي مهام يقوم بها الأعضاء في المجلس وليس الوزراء الذين يستجيبون لهم تحاشيا لإشكاليات المواجهة والصراخ والتشهير، وهنا لا بد أن نلجأ إلى نصائح سمو الأمير بضرورة وضع المصلحة العامة فوق الاعتبارات الخاصة ووقف اختطاف النواب صلاحيات السلطة التنفيذية.
والآن أمام رئيس مجلس الوزراء فرصة تاريخية ليقف حاميا للقانون ومدافعا عنه، فالديموقراطية هي سيادة القانون، وفي هذا الصدد ندعو سمو رئيس الوزراء أن يقف على الأرض الصلبة التي يوفرها القانون وأن يصدر التعليمات بعدم التساهل في تطبيق القانون الذي هو فوق كل اعتبار، ويدعم وزراءه في تنفيذه حرفيا.
وما دمنا نتحدث عن القانون، وعن بنود الدستور، فلا بد من الإشارة إلى أكبر فضيلة في دستور الكويت هي حق سمو الأمير الذي لا جدال فيه، في حماية الكويت من هزات السياسيين الذين يعملون وفق اعتبارات مختلفة تتشابك فيها المصالح مع المشاعر، وأحيانا تتغلب فيها المشاعر على المصالح.
قتل السياسيون تجارب ديموقراطية كثيرة في العالم، أفرزت تجربة ألمانيا نازية مدمرة، وإيطالية فاشستية قاتلة، ومصر انتهازية فاشلة، ومن حس حظ الدستور في الكويت أنه يوفر القرار المانع والواقي الذي وضع بيد سمو الأمير، وهو الحل الدستوري، الذي لا بد أن يستمر في التواصل، إلى أن تنضج التربة ويعي السياسيون قوة التصميم وحدود التسامح، فالبند البارز في دستور الكويت والذي يعطي شيئا من الاطمئنان هو المرجعية الدستورية التي تتمثل في اختصاصات سمو الأمير، ولا بد أن يتم تفعيلها وبشكل مستمر ودون تردد أو خجل، فطالما الصوت المسموع حاليا هو وقاية الدستور، فليكن الحل إذن من بطن الدستور، وكلام الرئيس الخرافي بأن حل المجلس لا يحل كل الإشكال فيه الكثير من الصحة إذا توقف الحل خجلا أو ضجرا.
وإنما الحل فيه العلاج إذا صار نهجا يمارسه الأمير إلى أن تتوازن الأوضاع وتترسخ الممارسة بوعي متميز.

يصف رئيس المجلس السيد جاسم الخرافي كلمة سمو الأمير في جلسة الافتتاح بأنها نابعة من القلب وموجهة إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية وإلى شعب الكويت.
أصاب السيد الخرافي في هذا التحليل، والأمل أن يمنح رئيس المجلس وأعضاء الهيئة الأولوية لدراسة مفردات الأمير، واستخلاص العبر منها، بدلا من الانشغال بالهموم اليومية التي تأخذ جهدا كبيرا بحصيلة متواضعة.
كلمات سمو الأمير صرخة الكبير عما يدور..

 

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك