لماذا لايبحث كل منا عن فضائل الآخر حتى نعيش سويا في قلب دولة واحدة تنشد المساواة والعدالة والحرية وتكافؤ الفرص للجميع.. دعوة للوفاق يطلقها عبدالله سهر

زاوية الكتاب

كتب 870 مشاهدات 0



 


النبش في تاريخ الأضداد: صناعة طائفية

 
كتب د. عبدالله يوسف سهر
 
2010/09/22    09:53 م

 
أنا
في التاريخ يمكن ان تجد أي شيء تبحث عنه، فالتاريخ كالبستان تجد فيه الزهور والطيور والورود والزروع والإنسان والحيوان والحشرات والتراب والروث والغث والسمين. ومن التاريخ يمكن أن تخرج بأي شيء تريده، فهذا يعتمد عما تبحثه. إذا كنت تريد أن تصنع من أحد الشخصيات التاريخية بطلا فانك تستطيع أن تفعل ذلك استنادا للتاريخ، واذا أردت ان تنتزع منه الرجولة والبطولة ففي التاريخ ما يمكنك ان تستند إليه كذلك.في تاريخنا الإسلامي تستطيع ان تجد الغث والسمين البطولة والرجولة والفروسية والإيمان والتضحية وكذلك الظلم والغدر والخيانة والكفر، كل ذلك يمكنك أن تجده في التاريخ ولربما لذات الشخصيات. في كتب السيرة والأثر عند جميع الطوائف والمذاهب ما هو ضعيف وما هو قوي وما هو متواتر وأيضا ما هو مختلق ومبتور.ومن كل ذلك تستطيع من حيث زاويتك التي تقف فيها ان تجد في الآخر ما تود ان تراه، فذلك يعتمد على ما تريده وما تبحث عنه.لا أود الحديث عن مواقع الشبهات والاختلافات، لكن لنكن أكثر صراحة، هل يمكن لأحدنا ان ينكر اننا نستطيع ان نجعل الدولة الأموية أو العباسيةأو العثمانية أم الصفوية أو الفاطمية أفضل دولة أو عكس ذلك أسوأ دولة، كل ذلك بدلائل ووقائع تاريخية موثقة في بطون الكتب.في قراءتنا لسيرة بعضنا البعض وممن نبجله أو نمقته هناك ما نستطيع ان نستند إليه، لذلك استطاع المتكسبون السياسيون ان يصنعوا لهم جمهورا من أضداد التاريخ.في كتب المذاهب الاسلامية هناك الغث والسمين والصالح والطالح والأسطورة والحقيقة والجرح والتعديل.في هذه الكتب يستطيع أي باحث ان يستدل ويقدم براهينه أنه من الفرقة الناجية، على حساب تسطير أوجه الكفر والفسق والمجون والانحراف والضلالة للآخر.كم استغرق الكثيرون في تلك الاستدلالات التي تجعل من هذا الآخر سيئا للغاية، لكنني اسأل كم استغرقنا نحن في محاولة البحث عن الجميل في سيرة الآخر ونقد الذات، وكم من محدث أو مبشر من البشر غير الأنبياء أهدى لنا كتابا أو سيرة أو مقالا عن عدالة الآخر أو كرامته أو استقامته أو احتمال صوابيته؟ هل بالفعل ان يكون هذا الآخر مفتقداً لكل شيء؟ دعوني استذكر تلك الحادثة التي تروى عن المسيح ابن مريم عليه السلام عندما كان مارا بمعية حوارييه في جانب جيفة كلب فسألهم ماذا تجدون به؟ فقال الأول ما أنتن رائحته، وقال الثاني ما أقبح شكله، وقال الثالث ما أكره هيئته، وهكذا استمروا في ذكر مساوئه فقال المسيح ما أنصع أسنانه.أعوذ بالله من التشبيه فليس ذلك مقصدي وانما ما أردت التدليل عليه هو ان لابد وأن يكون في ذلك الآخر شيء جيد، فلماذا دائما يبحث الباحثون والمبشرون من غير الأنبياء في سوء هذا الآخر ولم يدل أحدهم ولو مرة واحدة عن ذكر إحدى فضائل هذا الآخر، أليس التاريخ كالبستان نستطيع ان نجد فيه الزهرة والبعرة، فلماذا في كل مرة لا نستطيع ان ندخل بستان الآخر لتكون في أيدينا وردة أو بذرة صالحة بدلا من الغصن اليابس أو الثمرة الفاسدة.هناك احتمالان لا ثالث لهما أما ان سيرة هذا الآخر ليس فيها شيء جيد وهذا ليس بمنطقي أو اننا لا نريد إلا الانتقاء وهذا ليس بمنصف، وفي كلتا الحالتين اننا لسنا كما نريد ان نكون بل نريد ان نتصور الشيء ان يكون.مرة أخرى، في كتب السيرة التي كتبها رجال من السنة ورجال من الشيعة وغيرهم، نستطيع ان نستخرج أشياء كثيرة حسنة أو سيئة مفيدة أو قبيحة منطقية أو خيالية وذلك يعتمد على ما نريد ان نبحثه، وفي أغلب المرات التي دخلنا على بساتين بعضنا لم نخرج الا بالغصن اليابس أو الثمرة الفاسدة ملوحين للعموم وللجمهور لم نجد الا هذا، وما زلنا نكرر ذلك حتى توارثنا تلك العادة وهي عادة كره الآخر والحط من قدره لكي لا يكون له قدرة على التواصل مع الجمهور الذي لطالما رأى ذلك الغصن اليابس وتلك الثمرة الفاسدة. إذا كانت تلك أهواء بعضنا ممن لا يستطيع إلا أن يرى إلا سوء الآخر على مدار أكثر من ألف عام ولم يصلوا لنتيجة، فلماذا نصر نحن على الاستمرار في ذلك المسلسل؟ لماذا لم نحاول استبدال ذلك ولو لمرة واحدة في حياتنا الدنيا واظهار الود والحب والاخاء والتسامح والتكافل والتعاون من خلال ذكر ما عند الآخر من فضائل حتى نعيش سويا في قلب دولة واحدة تنشد المساواة والعدالة والحرية وتكافؤ الفرص للجميع؟ قاتل الله الطائفية ومروجيها والعابثين بها ومستخدميها، فهم يحاولون ان يجعلوا من الأخوة أعداء ويفرقون بين المرء وزوجه.

مع
ليست القصة حقاً أو باطلاً أكثر مما هي صراع على المصالح بشكل يحتاج معه الموقف ان نذهب للتاريخ لنظهر ما فيه من عيوب أو نصنع من خلاله بطولات لمن نريد.لقد أصبح مستقبلنا تاريخا، ولذلك فاننا دائما في الوراء.

ضد
التاريخ هو المستقبل حيث فيه العبرة والسنن والقوانين والقصص سبيلا للاعتبار والتدليل.المشكلة ليست في التاريخ، وانما فيمن يريد قراءة ذلك التاريخ، كما المشكلة ليست في البستان ولكن فيمن دخل فيه وخرج منه بخسران.


د.عبدالله يوسف سهر
 

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك