حادثة الناقلة «إم ستار»: التهمة التي رحبت بها إيران

محليات وبرلمان

2271 مشاهدات 0


تتبنى حكومة طهران استراتيجية الحضور بقوة في ساحة الخليج العربي لدرجة أن تكون الميّت في كل جنازة والعريس في كل زفة والمتهم في كل قضية. لقد بدأ الغموض والضبابية في الانحسار عن حادثة تعرض الناقلة اليابانية أم ستار «M.STAR» إلى انفجار قرب مضيق هرمز أسفر عن إصابة بحار بجروح، من دون تسرب نفطي أو عرقلة الملاحة في الممر المائي الاستراتيجي. وقد جاء مقطع النهاية للسيمفونية المزعجة التي استمرت منذ 28 يوليو 2010 حين تبنت كتائب عبدالله عزام المرتبطة بتنظيم القاعدة في 4 أغسطس 2010 المسؤولية بتفجير أيوب الطيْشان لنفسه في عملية أطلقت عليها اسم «غزوة الشيخ عمر عبدالرحمن» الزعيم السابق للجماعة الإسلامية المصرية المسجون في الولايات المتحدة.
لقد رافقت الحادثة ثلاثة مسارات مختلفة أظهرت طريقة عمل إيران والولايات المتحدة وحتى إسرائيل حيال أحداث المنطقة. ففي سيناريو الحادث جاء الموقف الأميركي على لسان مسؤولي الأسطول الخامس المنوط به حماية الخليج وخليج عُمان وبحر العرب، أنه ربما كان نتيجة ارتطام موجة ضخمة (Mammoth freak wave) بجانب السفينة، لكن بحارة السفينة نفوا ذلك بناءً على حالة البحر المقبولة في ذلك الفجر الدامي، بالإضافة إلى مشاهدة بعضهم لوهج ضخم يقترب باتجاه السفينة من مسافة بعيدة. وفي مراحل الحادثة الأولى أعلنت البحرية الأميركية في 29 يوليو 2010 أنه لم تكن لها قِطَع بحرية قرب الناقلة لتبديد فرضية اصطدام السفينة بغواصة نووية أميركية قد تعرض المنطقة لكارثة أشد من الطموح النووي الإيراني الذي قد لا يتحقق. وقد رجح خفر السواحل العماني أن ما حدث كان نتيجة هزة أرضية متوسطة مركزها بندر عباس، وقد أسند تلك الفرضية بسرعة متحدثٌ من معهد الرصد الزلزالي الإيراني بالقول: إن الهزة كانت بقوة 3.4 درجة على مقياس ريختر، لكن مركز رصد الزلازل الوطني الأميركي كذّب المعلومة الإيرانية قائلاً: إن آخر هزة أرضية كانت في يوم 24 يوليو 2010 قبل الحادث بأربعة أيام. بالإضافة إلى أن مقدمة الناقلة لم يكن يوجد بها ما هو قابل للانفجار، ما يرجح بقوة أن سبب الانفجار كان بفعل مسبب خارجي، وهنا تدخل مُلاك السفينة في اليابان لتبني هذا الرأي؛ لأن وجود ما هو قابل للانفجار في المقدمة يخالف شروط شركة التأمين.
لقد اتفق الأميركان والإيرانيون على أن الانفجار الذي أعطب جزءاً من جانب السفينة كان نتيجة مسبب خارجي، ولم يزد الأميركان بحرف واحد على النتيجة التي توصلوا إليها، بينما توسع الإيرانيون في شرح ما حدث وأن حريقاً قد شب في السفينة وأن الطاقم قد تمكن من السيطرة على الحريق، بينما أفادت البحرية الإيرانية في بيان لها أن السفينة كانت تحت المراقبة الإيرانية منذ لحظة تعرضها للمحنة حتى وصولها للحوض الجاف في الفجيرة.
ثم جاء دور الاستخبارات الإسرائيلية فنشرت عبر أبواقها في صياغة تلفيقية سافرة أن الانفجار كان نتيجة اصطدام غواصة إيرانية صغيرة (Midget Submarines) بجانب السفينة اليابانية، وأن الهجوم نفذته غواصة من نوع طارق «Tarig» وأن غواصة أخرى من نوع يونس «Yunis» كانت تقف على مقربة من السفينة للدعم والإسناد وأنها أطلقت قذيفة وهمية (Dummy Missile) أحدثت الوهج الذي شاهده البحارة. وتستمر الرواية الإسرائيلية في أن قائد الجيش الإيراني الجنرال عطاءالله صالحي كان في بندر عباس يوم 3 أغسطس 2010 حين صرح أن البحرية الإيرانية ستدشن غواصات متطورة محلية الصنع هي الغدير «Al-Gadir»، ونوح «Noah»، ويونس «Yunis»، وطارق «Tarig»، لكن وجوده كما تقول الاستخبارات الإسرائيلية هناك كان لسبب آخر وهو مصافحة طاقم الغواصتين الذين نفذوا العملية ضد الناقلة اليابانية؛ حيث قلدهم الأوسمة وأعطى كل رجل منهم مبلغ ألف دولار هدية من السيد آية الله علي خامنئي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية، فقد كانت مهاجمة الناقلة اليابانية التجربة الميدانية الأولى لهذه الغواصات الصغيرة.
إن قضية تعرض الناقلة اليابانية أم ستار «M.STAR» إلى انفجار قرب مضيق هرمز كان هو العرض الافتتاحي بين تفتيش وعدم تفتيش السفن الإيرانية من قبل القوة البحرية الدولية التي تقودها الكويت حالياً، فقد تمنت طهران أن يقتنع الغرب -لكن دون قرائن تدينها- بأن البحرية الإيرانية تقف خلف الهجوم بطريقة ما، ولم يكن تبني الادعاء بهزة أرضية لم تحدث إلا لتشتيت ذهن المراقب الأميركي، كما يأتي في نفس السياق الوصف الإيراني لمقاومة الطاقم للحريق، لتسهيل اندفاع الغرب في اتهامهم؛ حيث كانت النتيجة المرجوة هي تصور الأميركان لهول الكارثة التي ستحث لو هاجمت إيران ناقلة نفط وإمكانية تنفيذها بسهولة من قبل وحدات سريعة المناورة.
ولو تجاوزنا الدوافع الإسرائيلية لقفزت أمامنا عدة حقائق مرعبة، فرغم وجود قوات التحالف البحرية (Combined Task Force) المكونة من أكثر من 28 دولة، والمسماة (CTF-150) و (CTF-151) و (CTF-152) والتي سبق التطرق إليها في مقالات عدة، فقد نجح فريق صغير تحت اسم كتائب عبدالله عزام أن يدق ناقوس الخطر في دول مجلس التعاون، وأظهر عدم قدرة الغرب على حماية السلم البحري في الخليج، كما نجحت إيران في استغلال الحادثة لإيصال رسالة بقدرتها على تنفيذ العمل نفسه في حال تفتيش سفنها، وقد دعمتها بغباء الاستخبارات الإسرائيلية في تفسيرها للحادث على النحو السابق.  ولعل أسوأ ما قيل خلال هذه الحادثة هو تعليق المتحدث باسم الأسطول الأميركي الخامس «أن السفينة كانت تسير في أكثر خطوط الملاحة أماناً في العالم» وقد قالها حين أراد تسويق تفسير ارتطام السفينة بموجة ضخمة قبل تكشف بقية الحقائق.  بقي أن نقول: إن المسلم ليهتز نشوة عندما يسمع بسلاح له اسم يعرفه ويأنس له مثل يونس وطارق ونوح والغدير، فلماذا لا تكون نداً للغواصات الإسرائيلية من نوع دولفين «Dolphin-class» والتي دخلت الخليج منذ أشهر، بدل التعرض للناقلات التي هي شريان الحياة لنا ولإيران.

الآن: د.ظافر محمد العجمي - المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك