زايد الزيد يكتب عن طموح ملك العراق غازي، والحراك السياسي المنظم بالثلاثينات في الكويت، وبيانات إذاعة قصر الزهور !!
زاوية الكتابكتب أغسطس 5, 2010, 1:54 ص 2503 مشاهدات 0
نحن والعراق :
شعب لن يفهم جيرانه أبدا ( 6 )
زايد الزيد
نستكمل اليوم حديثنا عن طموح الملك الشاب ' غازي ' ، فهو لحداثة سنة لم يفهم أن الظروف السياسية التي كانت في فترة الصعود السياسي الكبير لجده الشريف حسين بن علي ملك الحجاز ، هي غيرها تماما في الفترة التي عاشها الملك ' الصغير ' ، على الرغم من أن الفارق الزمني بين الفترتين ليس كبيرا ، ولكن هذه الفترة القصيرة التي لم تتجاوز العشرين عاما ( منذ الثورة العربية الكبرى 1916 وحتى بداية حكم الملك غازي 1933 ) شهدت أول حرب كونية يخوضها العالم ، هي الحرب العالمية الأولى ( 1914 – 1918 ) ، وبالتالي فإن نتائج الحرب أسفرت عن تبدل في السياسات والتحالفات ، التي كان من أول ضحاياها نهاية الحلم الهاشمي في إعتلاء عرش دولة عربية اسلامية كبرى !!
الملك ' الصغير ' أراد أن يعيد مجدا ' كاد ' أن يكتمل لجده الشريف حسين في إقامة دولة عربية اسلامية كبرى لولا ظروف وتحالفات سياسية جديدة طرأت بين الدول الاستعمارية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى من جهة وبين بعض القوى أو الدول الناشئة في المنطقة من جهة أخرى ، وهذه الظروف والتحالفات الجديدة لم تقض على الحلم الهاشمي فحسب ، بل أنها أدت إلى تغيير خارطة المنطقة العربية برمتها جغرافيا وسياسيا !!
وبعد أن أطلق الملك ' الصغير ' غازي دعواه في ضم الكويت للعراق حينما اعتلى عرش الحكم في العام 1933، صادف في الكويت أنها كانت تشهد حراكا سياسيا واجتماعيا منظما في فترة الثلاثينات ( 1930 – 1939 ) وهي الفترة ذاتها التي واكبها حكم الملك ' الصغير ' في العراق ( 1933 -1939 ) ، وشخصيا أرى أن هذا أول حراك منظم في تاريخ الكويت السياسي ، على الرغم من اعتقادي بأن جذور هذا الحراك ، تعود إلى التحرك السريع ، الذي قام به عدد من وجهاء البلد في الفترة التي أعقبت وفاة الشيخ سالم المبارك مباشرة ( 1921 ) ، حينما صاغوا عريضة تضمنت خمسة مطالب كان من أبرزها وأكثرها أهمية على ماسواها من المطالب الأربعة الأخرى ، أنها حددت المرشحين لخلافة الشيخ سالم وحصرتهم في الشيخ أحمد الجابر والشيخ عبدالله السالم والشيخ حمد المبارك ( رحمهم الله جميعا ) ، وطلبت من الأسرة الحاكمة أن تختار حاكم الكويت من بين الثلاثة الذين حددت اسماؤهم في العريضة ، وقد كان ، وهي العريضة التي عرفت بعريضة ' إصلاح بيت الصباح ' ، وهي التي أثمرت أيضا عن إنشاء أول مجلس في تاريخ الكويت هو مجلس الشورى ( 1921 ) .
ونعود إلى حراك الثلاثينات ، ونقول أنه تمثل في عدة أحداث : أولا كانت في انتخاب مايعرف بالمجالس المتخصصة كالمعارف والبلدية ، وثانيا في الاختلافات التي وقعت آنذاك بين القوى الوطنية التي كانت تتشكل منها غالبية أعضاء المجالس المتخصصة من جهة وبين السلطة وأتباعها من جهة أخرى ، حول الرؤى وآليات العمل ، وثالثا في قيام السلطة بحل مجلس المعارف المنتخب وتعيين أعضاء له بديلا عن المنتخبين ، ورابعا في استقالة أعضاء مجلس البلدية احتجاجا على إجراء السلطة تجاه مجلس المعارف ، فتأزمت الأمور كثيرا بعد ذلك في الكويت ، فاتجه شباب الحركة الوطنية إلى العمل السري ، وكان من أهم وسائلها في العمل توزيع المنشورات السرية في الكويت والكتابة في صحف العراق ، كونه بلدا يشهد في تلك الفترة هامشا كبيرا من الحريات في العمل السياسي والحزبي ، وكذلك في الحريات العامة كحرية النشر والتعبير عن الرأي ، وكانت المطالبة بإصلاح الأوضاع العامة في الكويت هي العنوان المشترك لغايات الحركة الوطنية وأهدافها ، ثم كشفت الحركة الوطنية عن هوية أعضائها ، واتجهت إلى العمل العلني ، وشكلت وفدا لمقابلة الشيخ أحمد الجابر ( رحمه الله ) محملا بمطلب انشاء مجلس تشريعي منتخب ( خمسة عشر عضوا منتخبا ) ، وقد كان ، وبعد مرور ستة أشهر على تأسيس المجلس التشريعي ( 1938 ) ، حل الشيخ أحمد الجابر المجلس بمساعدة الانجليز على أثر تفجر الخلاف حول قضية مخزن الأسلحة ، والتنازع حول تحديد الجهة التي يفترض أن يقع مخزن الأسلحة تحت مسؤوليتها ، وإن كان هذا ليس هو السبب الوحيد للنزاع بين أعضاء المجلس والسلطة ، ثم تشكل المجلس التشريعي الثاني ( عشرين عضوا منتخبا )الذي تعطلت أعماله بسبب مماطلة السلطة في اقرار الدستور الذي صاغه أعضاء المجلس ، وقد تم حله أيضا ، وقد واكبت عملية الحراك هذه أحداث دامية كان ضحيتها شباب الحركة الوطنية ، تراوحت بين القتل والسجن والهروب إلى العراق !
إلا أن الملك ' الصغير ' الحالم بالمجد ' الكبير ' تلقّف كل هذه الأحداث ، والمطالب الإصلاحية للحركة الوطنية ( التي كانت تقع أصلا ضمن إطار حراك سياسي كويتي خالص ، وسابق على وصول الملك غازي لعرش الحكم ) من خلال فهم مغلوط ، واعتقد خاطئا أن شعبا اختلف مع حكامه حول شؤونهم الداخلية ، في مرحلة واحدة من مراحل تاريخه المتعددة ، يمكن له أن يبيع وطنه ويسلمه ل' غاز ' طامع في أرضه ( وهذا ما تكرر لاحقا مع الطاغية المقبور صدام حسين في العام 1990 ) ، لذا فإن الملك ' الصغير ' اندفع بكل قواه نحو المطالبة بضم الكويت ، تحركه الأطماع والأحلام ، واقتناص فرصة - ظنها واهما - بأنها ستحقق له استعادة المجد الضائع ، فأنشأ لهذا الغرض إذاعة خاصة موجهة للكويت ، وجعلها في أحد قصوره ( قصر الزهور ) ، بل أن الحماس قد بلغ به مبلغا عظيما إلى درجة جعلته يقوم شخصيا بإذاعة البيانات المعززة لدعوى الضم بصوته ، وكان يتعاقب الأدوار – بشكل بائس لايليق بتاتا بالملوك - مع مذيعي المحطة في محاولات التأثير على الكويتيين من خلال خطابات منغمسة بالحماسة والشعارات الجوفاء ! وهذه عندي واحدة من دلائل الطيش والرعونة التي كانت تتملك شخصية هذا الملك ' الصغير ' !
وللحديث بقية ..
تعليقات