زايد الزيد يتساءل: هل نصبح نحن الكويتيون ضحايا ترسيم حدودنا مع العراق بسبب معاناتهم من آفة كريهة ابتلوا فيها ؟!

زاوية الكتاب

كتب 1381 مشاهدات 0


 

نحن والعراق :

المشككون ببعضهم أبدا .. ونحن الضحية !!

زايد الزيد
 
في الحلقة الماضية ، استحضرنا التاريخ السياسي العراقي في جانبه المتعلق بقضية ترسيم حدودنا المشتركة معهم ، واليوم نواصل شرح قضية تاريخية / حاضرة ، بارزة وخطيرة ، توصلت إليها من خلال بحثي وقراءاتي المتواصلة في تاريخهم السياسي الحديث ، وهي ذات صلة – في جانب واحد منها - بموضوع ترسيم الحدود الذي يهمنا هنا في هذا الوقت بالذات .

هذه القضية هي أن العراقيين دأبوا دوما على مدى تاريخهم السياسي الحديث ، والطويل نسبيا ، على التشكيك في المواقف السياسية لبعضهم البعض ، واستمرؤا هذا المسلك ، حتى تجد أن كل سياسييهم البارزين ، السابقين والحاليين ، الأموات منهم والأحياء ، محل خلاف عندهم ، حتى هذه اللحظة ، إلى درجة أن من هو وطني عند قسم من العراقيين ، تلقاه موصوف بالخيانة والعمالة عند القسم الآخر منهم ، خذ عندك خلافهم - في الوقت ذاته - حول وطنية أوعمالة أبرزهم : الملك فيصل الأول ، والأمير عبدالإله الوصي على عرش الأمير فيصل الثاني ، ورئيس الوزراء عبدالمحسن بيك السعدون الذي قضى منتحرا ، والشخصية السياسية الأبرز في تاريخ العراق السياسي الحديث بل وفي التاريخ السياسي للمنطقة برمتها ، السياسي الداهية رئيس الوزراء نوري بيك السعيد ( كلف بتشكيل 14 حكومة ) ، والسياسي البارز رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني باشا ، والرئيس عبدالكريم قاسم ، والرئيس عبدالسلام عارف ، والعقيد عبدالوهاب الشواف ، والعميد ناظم الطبقجلي  ، والعقيد رفعت الحاج سري ، وعبد الرزاق النايف ، وابراهيم الداوود ، وصالح مهدي عماش ، والسياسيين البعثيين الخمسة الذين أعدمهم صدام حسين فور تسلمه رئاسة العراق ومجلس قيادة الثورة ( 1979 ) ، والزعيمين الكرديين : الرئيس جلال الطالباني ، والملا مصطفى البارزاني ، والرئيس صدام حسين ، والسياسي أحمد جلبي ورئيس الوزراء أياد علاوي ، وغيرهم كثيرين ممن لايتسع المجال لذكرهم !!

فمن خلال البحث والقراءة المتأنية في التاريخ السياسي العراقي الحديث ، وجدت أن علة تخوين السياسيين العراقيين لبعضهم البعض ، علة عميقة جدا ابتلاهم الله فيها ، وهي - في تقديري - واحدة من أهم أسباب فرقتهم ، وكما من أسباب تعثر مشروع الدولة عندهم ، ومن يقرأ رسالة رئيس الوزراء المنتحر عبد المحسن باشا السعدون ، التي خطّها لابنه البكر ' علي ' ، وهي تقطر حزنا وألما ، يعرف مدى التجذر العميق لهذه العلة في الشخصية العراقية ، ومدى الحرقة التي عاناها سياسي بارز مثله ، كلّف بتشكيل أربع حكومات في أصعب فترات التاريخ السياسي الحديث للعراق ، وألمه الشديد من إلصاق تهمة الخيانة فيه ،  يقول عبدالمحسن باشا في رسالة الانتحار ( بالمناسبة هي مترجمة لأنه كتبها باللغة التركية ) : ' ولدي وعيني ومستندي ' علي ' ، أعف عني عما ارتكبته من جناية ( يقصد الانتحار ) ، لأني سئمت هذه الحياة التي لم أجد فيها لذة وذوقا وشرفا. الأمة تنتظر الخدمة ، والانكليز لايوافقون , ليس لي ظهير ،    العراقيون عاجزون عن تقدير نصائح أرباب الناموس أمثالي ، يظنون أني خائن للوطن وعبد للانكليز, ما أعظم هذه المصيبة ، أنا الفدائي أشد اخلاصا لوطني ، قد كابدت أنواع الاحتقارات ، وتحملت المذلات ، في سبيل هذه البقعة المباركة ، التي عاش فيها آبائي وأجدادي مرفهون .. ' ، ثم أوصى ' عليا ' بإخوته الصغار وبأمه ، وبالاخلاص للعراق وللملك فيصل وذريته اخلاصا مطلقا ، وبعدها أطلق على رأسه رصاصة جعلته يسبح في دمائه وسط بيته ' المستأجر ' في شارع ' أبو نواس ' في وسط بغداد !! 

نعود إلى قضية ترسيم حدودنا المشتركة معهم ، والتي ظلت ملفا معلقا - من جانبهم - منذ تسعين عاما تقريبا ( اتفاقية العقير 1922 ) ، وربطها مع هذه العلة العراقية ! فأولا : رسالة رئيس الوزراء نوري بيك السعيد المؤرخة في 12 يوليو 1932 التي تتضمن الاعتراف بحدود الكويت كما جاءت باتفاقية العقير ، والموجهة لأمير الكويت الراحل الشيح أحمد الجابر ( رحمه الله ) ، والتي كانت في عهد الملك فيصل الأول ، تنكر لها أبنه الملك غازي فور اعتلائه العرش في العام 1933، وتنصل منها معظم زعماء ثورة 1958 وعلى رأسهم الرئيس عبدالكريم قاسم ، حيث اعتبروا أن الملك فيصل الأول ورئيس وزرائه نوري السعيد خونة وعملاء للانجليز !! فهذا تشكيك بمواقف سياسييهم ، ونحن من يدفع الثمن ..

 وثانيا : الاتفاق المشترك الذي وقّع بيننا وبينهم في عهد الرئيس عبدالسلام عارف بتاريخ 4 أكتوبر 1963 في بغداد والذي أقر فيه العراقيون بما جاء برسالة نوري السعيد ( 1932 ) ، اعتبره قادة حزب البعث وحلفائهم في حركة 17 تموز 1968، ثمرة رشوة من الكويت للرئيس عبدالسلام عارف وأعضاء حكومته الذين رعوا الاتفاق وصادقوا عليه !! وهذا تشكيك قي ذمة سياسييهم ونحن الضحية ..
 
وثالثا : الموقف من قرار مجلس الأمن رقم ( 833 ) الذي حدد ورسم الحدود المشتركة بيننا وبينهم ، فسياسيوا ' العراق الجديد ' – كما يحبون أن يطلقوا على أنفسهم – مجمعون على أن القرار جاء نتيجة ضغط على العراق وهو في أضعف حالاته أيام الحصار الاقتصادي الدولي المفروض عليه منذ العام 1990! بينما ينقسم هؤلاء إلى فريقين تجاه تجاه زاوية أخرى من موضوع القرار ( 833 ) ،  فمنهم من يقول بأن العراقيين اليوم غير ملزمين بقرارات عهد صدام ، لأنه عهد ديكتاتوري لم يكن للشعب العراقي أي دور بالمشاركة في قراراته الكبرى ، ويغض هذا القسم من سياسيي ' العراق الجديد ' النظر عن عودة اعتراف صدام ( بعيد غزو ه لنا 1990 ) باتفاقية الجزائر التي تحدد وضع السيادتين الايرانية والعراقية المشتركة في ( وعلى ) شط العرب ، بعد أن كان مزقها عشية اعلانه الحرب على ايران في 1980 ، ففي موضوع حدودهم مع ايران لم يقل أحدا من سياسيي ' العراق الجديد ' أن تنازل ' الديكتاتور ' صدام عن نصف شط العرب لإيران غير ملزم لنا !! أما القسم الآخر من سياسيي ' العراق الجديد ' فيقولون بأن صدام حسين لم يكن راضيا عن القرار الدولي ، ويستشهدون بسحبه للمندوب العراقي من اجتماعات اللجنة الدولية المشتركة المكلفة بترسيم الحدود ، ويتناسى هؤلاء أن نظام المقبور صدام صادق لاحقا على القرار الدولي ( 833 )  بعد صدوره !!

إذا ، نحن أمام شعب يعاني من آفة كريهة ، ابتلي فيها عبر حقب متتالية ، حيث يشكك أبناء حقبة كل حكم بمعاصريهم أو بسابقيهم ، فهل نصبح نحن الكويتيون ضحايا هذه الآفة في موضوع ترسيم حدودنا المشتركة معهم ؟ وقبل هذا : هل نعي خطورة هذا المسلك المتجذر في نفوس جيراننا ؟!

      وللحديث بقية ..

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك