خالد القحص يرصد حركة المسافرين والقادمين من وإلى المطار.. فمتى تقلع طائرتك أنت؟

زاوية الكتاب

كتب 895 مشاهدات 0


 



متى تقلع طائرتك؟!

 
كتب د.خالد القحص
 
2010/06/29    09:19 م
الناجحون هم الذين يعملون ويقرؤون ويصلّون دون أن يطغى جانب على آخر
 
هل حصل معك عزيزي القارئ ان جلست في مطار كبير انتظاراً لرحلتك، وأخذت تنظر للناس، أشكالهم وألوانهم ولباسهم وحركاتهم وتعابير وجوههم، فهذا يسير مسرعاً للحاق بطائرته، وهذا يمشي وحيداً بخطى مثقلة ووجه عابس وحقيبة سفر كبيرة، تراه مهموماً، ورجل يقود أسرته الصغيرة بغية ألا يتوهوا في الزحام، وصديقان اثنان يسيران الهوينا وهما يبتسمان واثقين من نفسيهما، ثم تستمع الى ضحكات صاخبة صادرة من مجموعة من الشباب لا يكترثون بمن حولهم. وبينما أنت جالس قد ترى طفلاً تائهاً يبكي أضاع مكان جلوس عائلته، وترى مكان التسوق في المطار يقبل عليه الناس، بعضهم يشتري والأكثر يضيع وقته في النظر للبضائع، لا ينوي الشراء أصلاً.
ثم يلفت انتباهك بوابة يتم فتحها ليخرج منها مسافرون للتو وصلوا الى أرض المطار، والطريف ان بجانبهم طابور طويل يقف أمام بوابة أخرى استعداداً للمغادرة. «الحياة كالمطار.. قادمون ومغادرون»، هكذا تقول الحكمة، وكل قادم لابد له من يوم سيغادر فيه، شاء أم أبى، فكما لم يكن لنا اختيار أو قرار في قدومنا لهذه الدنيا، فكذلك الحال حين نغادرها. لكن الله سبحانه أعطانا نعمة الحرية والاختيار في الفترة الزمنية ما بين القدوم والمغادرة، وهذه هي فترة حياتنا في الدنيا.
بعضنا قد ينتظر قليلاً ثم يغادر مطار الدنيا، وبعضنا يجلس لمدة أطول، والبعض الآخر يمد الله في عمره فينتظر طويلاً. العبرة ليس في مدة الانتظار، لكنها في كيفية قضائك لتلك المدة ما بين القدوم والمغادرة. هنا يفترق الناس وهنا يتباينون وهنا أيضاً يتمايزون، تماماً كما يفعل المسافرون في المطارات، فبعض المسافرين يفترشون الأرض وينامون، لا دور لهم ولا تأثير، كما الحال مع بعض الأشخاص من حولنا يفترشون أرض الحياة وينامون ولا يعملون ولا يتحركون، يجلسون على قارعة الطريق لا يؤبه لهم ولا ينتبه اليهم أحد.
بينما ترى البعض منشغلين بالأكل والشرب طوال فترة انتظارهم، ويجلسون في المطعم أو حوله، لأنهم لا يستطيعون الابتعاد عنه، كأنهم مربوطون به. فهؤلاء كالذي يقضي دنياه بحثاً عن شهواته ولذاته، لا يهمه ان يغذي عقله أو يطعم فكره، بل تفكيره مقصور على اللذات الحسية لذا يقيس الدنيا بهذا المقياس. هؤلاء أيضاً لا تأثير لهم، مثل النائمين على جانبي الطريق.
ونرى صنفاً آخر من المسافرين وهؤلاء هم الذين يأكلون قليلاً ليستعينوا على مشقة السفر، ثم يقرؤون في كتاب أو يكتبون شيئاً أو يتحدثون مع من حولهم، واذا حان وقت الصلاة تراهم ذهبوا ليصلوا، ثم عادوا ربما ليأخذوا غفوة قصيرة تعينهم في الطريق. هؤلاء هم المتوازنون المتزنون الذين يعطون لكل ذي حق حقه، ولكل وقت نشاطه، ولكل عمل جهده. هؤلاء هم الناجحون الذي يعملون ويقرؤون ويصلون ويأكلون وينامون دون ان يطغى جانب على جانب، ولا يغلب شيء على شيء.
هكذا الحياة، ستمضي لا شك فيها، سواء نمت أم أكلت أم قرأت، ستمضي الحياة، ويأتي وقت يتم فيه فتح بوابتك لكي تغادر المطار، في نفس اللحظة سيكون هناك شخص آخر يجلس على كرسي في المطار ينظر اليك وأنت تغادر، هكذا الدنيا قدوم وارتحال، والعاقل من اتعظ بغيره، واستفاد من جلوسه في المطار بما ينفعه وينفع من حوله، وتروحون بالسلامة.

د.خالد القحص
 
 
 

الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك