الديين يعتبر الإفراج عن الجاسم نجاحا جزئيا للحراك الشعبي، لكنه لايرى ذلك طيا لصفحة القضية وملاحقة الجاسم
زاوية الكتابكتب يونيو 29, 2010, 12:11 ص 1817 مشاهدات 0
أبعد من مجرد إخلاء سبيل!
كتب احمد الديين
صحيح أنّ قرار المحكمة بإخلاء سبيل سجين الرأي الأستاذ محمد عبدالقادر الجاسم، بعد ثمانية وأربعين يوما قضاها محبوسا على ذمة القضية 1 لسنة 2010 أمن الدولة، لا يعني طيّ صفحة هذه القضية المؤسفة، مثلما أنّه لا يعني وقف مسلسل الملاحقات، التي استهدفته بعد القضايا العديدة، غير هذه القضية، التي رفعها ضده رئيس مجلس الوزراء ومتنفذون آخرون... ولكن قرار إخلاء السبيل يمثّل في حد ذاته خطوة هامة من شأنها تخفيف حالة الاحتقان الناشئة عن قرار حبس هذا الكاتب المعارض وتقديمه إلى محاكمة سياسية تشمل كتاباته جميعها وفق قانون جرائم أمن الدولة قفزا على قانون المطبوعات والنشر، مثلما أنّه من شأن قرار إخلاء السبيل إعادة بعض الاعتبار إلى سمعة الكويت، التي تضررت كثيرا جراء هذه القضية الكيدية السياسية ودلالاتها وتداعياتها.
وفي واقع الحال، فإنّ استهداف الأستاذ الجاسم بالملاحقات وبسيل غير منقطع من القضايا المرفوعة ضده، وأخطرها القضية الأخيرة، كان مؤشرا مقلقا على بداية تشكّل نهج سلطوي يستهدف التضييق على الحريات والحقوق الديمقراطية، خصوصا بعدما تزامن هذا الاستهداف مع إجراءات أخرى تتصل بالتعامل الأمني مع الإضرابات العمالية كجرائم تستحق الردع والعقاب وليس كممارسات نقابية مشروعة، ومحاولة منع بعض خدمات التراسل الهاتفي، والاتجاه إلى فرض الرقابة على المدونات، وتعميم الطلب الغريب العجيب بتسجيل أسماء المترددين على المساجد وأرقام هواتفهم... ولعلّ هذا ما يفسر انطلاق الحراك الشعبي المناهض لهذا النهج السلطوي، ثم تواصله واتساعه، إذ لم يكن هذا الحراك مجرد تعبير عن تضامن مستحق مع سجين للرأي يواجه تعسفا مقصودا، وإنما كان الحراك تعبيرا عن الشعور الشعبي بالقلق تجاه مثل هذا النهج السلطوي غير المعهود، وما يمكن أن يمثله هذا النهج في حال نجاحه بعد السكوت عليه من تحوّل خطر في مسار الدولة الكويتية، بل تحوّل في طبيعتها من دولة دستورية إلى دولة بوليسية.
ومن هنا فإنّ قرار إخلاء سبيل سجين الرأي الأستاذ محمد عبدالقادر الجاسم حمل في طياته ما هو أبعد من مجرد قرار معتاد بإخلاء سبيل متهم محبوس على ذمة قضية معروضة أمام المحاكم، وما أكثر هذه القضايا والقرارات، إذ أنّ هذا القرار تحديدا كان مؤشرا ايجابيا على انتصار القضاء الكويتي لنفسه وانتصاره لسمعته ولاستقلاليته ونزاهته، التي يحاول بعض المتنفذين اختراقها... كما أنّ هذا القرار يمثّل مؤشرا أوليا على بادرة نجاح جزئي للحراك الشعبي المناهض للنهج السلطوي، مثلما هو أيضا علامة نجاح لحركة التضامن العالمية مع قضية سجين الرأي محمد عبدالقادر الجاسم.
إنّ قرار إخلاء السبيل ليس نهاية المطاف في هذه القضية، وإنما هو محطة، إذ لابد من أن تُعاد الأمور إلى نصابها الصحيح وأن يوضع حد لانحرافها عنه... بدءا من وقف مسلسل الملاحقات السياسية المتكررة تحت غطاء قانوني ليس لمحمد عبدالقادر الجاسم وحده، وإن كان هو العنوان الأبرز، وإنما وقف أي ملاحقات مشابهة لأي كاتب رأي ناقد للحكومة أو أي شخصية سياسية معارضة، وذلك بسحب القضايا المرفوعة ضده وضدهم، مرورا بالتحرك لإلغاء القانون البوليسي المعيب 31 لسنة 1970 المتصل بالجرائم الواقعة على أمن الدولة قبل أن يتحوّل إلى سيف مصلت على رقاب المعارضة الكويتية يمكن سلّه عليها في أي وقت، وصولا إلى ضرورة تعديل قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية لتقليص فترة الحبس الاحتياطي وتحديد حالات تصرف النيابة والمحاكم حتى لا يتحوّل الحبس الاحتياطي إلى عقوبة مقررة سابقة على صدور الحكم القضائي النهائي بالإدانة، وأخيرا وضع حد للإجراءات والتوجهات المقيدة للحريات والحقوق الديمقراطية، والتصدي لأي نهج يستهدف التضييق على هذه الحريات والحقوق، أيا كان الشخص أو الطرف المستهدف، نتفق معه أو نختلف، فجميعنا مرشح لأن يسبق الآخر أو يلحقه على مذبح الثيران ذات الألوان!
تعليقات