خليل علي حيدر يعتبر أطروحة النفيسي 'كارثية' ومغامرة إرهابية بشعة وضربة لأنظمة وحكومات دول مجلس التعاون
زاوية الكتابكتب يونيو 29, 2010, منتصف الليل 5997 مشاهدات 0
أفكار.. وأضواء
د.النفيسي.. ودولة «المدينة المنورة»
كتب خليل علي حيدر
ما نفتقر إليه هو المزيد من التعاون والتنسيق والثقة المتبادلة شعوباً وحكومات
من يرد أن يقود حملة إعلامية لتوحيد دول مجلس التعاون الخليجي فعليه أن ينطلق من الواقع لا من الخيال
أشاد د.عبدالله النفيسي في لقائه الأخير برواد ديوان الزميل «المعطش» بالدهاء السياسي للإيرانيين، ودعا الى اتحاد شامل فوري لدول مجلس التعاون الخليجية، في دولة واحدة عاصمتها المدينة المنورة.
والواقع ان إشادة د.النفيسي بإيران وسياساتها التفاوضية مع الغرب مدح يراد به الذم فالإيرانيون كما قال «سادة الشطرنج، لان لديهم قدرة فائقة على امتصاص الأزمات، ونفس طويل بالمفاوضات».
ولكن هناك من جانب ثان، كما حذر د.النفيسي الحضور «صفقة كبيرة يتم التفاوض عليها بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل». واكد على قدرة الإيرانيين سياسياً، غير أن د.النفيسي حول حديثه دون مقدمات، من إيران إلى عموم الشيعة، فأشاد بمقدرتهم الهائلة «على امتصاص الأزمات والتنظيم، وأن العقوبات في النهاية ستساهم في تماسكهم». (الوطن، 2010/6/12).
وما كان ينبغي لمثل د.النفيسي ان يقف إزاءه محللاً، ليس «دهاء الإيرانيين» التي هي مسألة تختلف حولها وجهات النظر بعد أن مرت علينا كل تجارب «الصمود والمقاومة والدهاء»، في العالم الثالث على امتداد ستين سنة، من كوريا الشمالية إلى كوبا وفيتنام وفرنسا الديجولية وليبيا ومقدمات ونتائج حرب 1967 وثورة ماو الثقافية.. وأشياء كثيرة أخرى، لقد عرفت اليابان وكوريا الجنوبية والمانيا طبيعة المرحلة القادمة ودرست نواحي الضعف والقوة لدى الولايات المتحدة واختارات بديل التنمية والتجارة والصناعة والرخاء بدلاً من العناد الاجوف والوطنيات البدائية الحماسية.
فانظر اليوم تأثير مثل هذه السياسات المتشددة على أوضاع «معسكرات العناد والمشاكسة والدهاء»، التي خدعت الكثيرين منا لعقود، ونالت منا الاعجاب والتصفيق فأي «دهاء» إيراني، هذا الذي عزل دولة زاخرة بالامكانيات مثل إيران عن مصالح وأولويات تقدمها وعرقل تنميتها على كل صعيد ووجه أرصدتها المالية الى مشاريع لا علاقة بها برفاهية شعبها؟ وما الفائدة المرجوة من هذه السياسة المعاندة وهذا الدهاء، إن كان ثمنه التضحية بمصالح إيران الاقتصادية والاجتماعية، وعذاب مواطنيها من البطالة في الداخل وهدر الكرامة في كل مطار وميناء؟
ولكن، للاسف الشديد، هذا هو «الدهاء» الذي يثير فيما يبدو إعجاب د.النفيسي، والكثيرين من المثقفين العرب ويطرب له الاعلام في بلداننا من صحف وتلفاز وانترنت! وكيف يكون من الدهاء والفهم الاستراتيجي أن تضر نفسك أشد الضرر، متوهماً أنك تنفع الآخرين، أو تتحول إلى «رمز للصمود والمقاومة» باستخدام شعار آخر هو «الاستمرار مهما بلغت التضحيات»! هذه في الواقع أوهام سياسية وعقائدية ودينية ومذهبية.. سمها ما شئت ولكنها لن تلحق إيران أو العالم العربي بالبلدان المتقدمة!
ونعود الى نقطة أخرى اثارها د. النفيسي في معرض اشادته او اشارته حول دهاء ايران والشيعة، ولا اعرف لماذا يتم بالمناسبة اكراه سنة ايران والمسيحيين واليهود والزردشتيين كذلك على دفع الثمن مع الشيعة!
هذه النقطة هي اشارة د. النفيسي الى «صفقة كبيرة يتم التفاوض عليها بين ايران والولايات المتحدة واسرائيل». ولا غرابة في اشارة المفكر د. النفيسي اليها، فهو يكتشف مثل هذه الصفقات على الدوام ويصدقها قبل ان تثبت ويبني عليها الكثير من الحسابات.
وكم كان مناسباً ان يقف د. النفيسي امام هذه الصفقات الغامضة ويشرح لنا على الاقل، كيف سترضى الولايات المتحدة واسرائيل بامتلاك ايران للسلاح النووي. وان كانتا راضيتين بهذا في مقابل اي صفقة، فلماذا كل هذا التوتر الدولي في منطقتنا وفي الشرق الأوسط وكل هذه التصريحات التي تحاول توريط المملكة العربية السعودية وقطر ودولة الامارات وغيرها؟.
ونضع هنا يدنا على مفتاح رئيسي في آراء د. النفيسي وتحليلاته، وهو مفتاح «الابهار». انه لا يتتبع المعلومة الى اصلها، ولا يبالي بمدلولاتها، ولا يزنها في موازين الواقع السياسي والعسكري والاقليمي، وما يهمه بالتحديد هو ان يطرح فكرة تظهر غزارة علمه، وتتبعه لاسرار الدول الكبرى والصغرى، والايحاء بغباء وسذاجة الامريكان والخليجيين والعرب والشيعة والسنة والبدو والحضر، حتى لا يكاد يبقى على وجه البسيطة من يعقل ويفهم سواه، ولا فكر سليماً الا ما يراه.
وهذا ما يبدو جليا في تحليلاته الخليجية والكويتية!
فهو يهاجم الديموقراطية الكويتية وعبدالله السالم والدستور، ثم يعترض على اعتقال الزميل الفاضل محمد عبدالقادر الجاسم! وهو يشيد بفترات من تاريخ الاسلام «لم يكن فيها برلمان وكانت السلطة نظيفة»، بينما يعتبر «الطغيان السياسي» والاستبداد أولى مشاكل العالم العربي ويدعو الى اتحاد كلمة الشعوب الخليجية ويطعن في ولاء الشيعة بعبارات مخجلة لا تليق بأن ينطق بها أي انسان!.
ثم يعرج على البدو والبداوة كما ذكرنا، فينسب اليهم واليها كل السلبيات، ولا يتردد في استخدام وصف البداوة للانتقاص من مكانة الشعب الكويتي نفسه بقوله «الكويتي انسان بدوي ونزعته بدوية». ولو نطق بعبارة كهذه أي دبلوماسي امريكي في الكويت مثلا، او رددها أي مستشرق او باحث في شؤون الشرق الاوسط لغرق في بحر من الشتائم المضادة!
ونقف الآن بعض الوقت امام دعوته لقيام دولة خليجية- جزيرية واحدة، عاصمتها «المدينة المنورة». ونسأل هذا المفكر الاستراتيجي الكبير، هل يمكن ارتجال وحدة كهذه فورا بعد دروس الوحدة العربية المريرة؟ واذا كان ما يقصده د.النفيسي هو أي شكل من اشكال التنسيق بين دول مجلس التعاون ردا على التحدي الايراني والاسرائيلي والامريكي، فهل مما يجعل هذه الوحدة واقعية، نقل عاصمة المملكة العربية السعودية وغيرها من الرياض والكويت والدوحة الى.. المدينة المنورة؟!
وهل وثق د.النفيسي من قبول سائر فئات الشعب الكويتي وحكومتهم ونخبهم، واستمزج اراء بقية دول مجلس التعاون، ولم يجد معترضا على الاتحاد الخليجي المنشود سوى الشيعة، الذين جرح مشاعرهم وهم الذين لا يشكلون قوة سياسية رئيسية في قيام هذا الاتحاد الخليجي او عدم قيامه.
دعوة د.النفيسي الى هذا الشكل الوحدوي الخليجي هو في الواقع حق يراد به باطل. وهي تأتي من شخص لم يقل يوما كلمة ايجابية واحدة بحق هذه الحكومات وسياساتها التي يطالب بتوحيدها، وقد انتمى منذ البداية الى حركات دينية لا ترى في هذه الانظمة سوى كيانات جاهلية تتحتم اسلمتها فورا او على مراحل وتغييرها في كل الاحوال، ولم يعترض على تنظيم «القاعدة» او ينتقدها، عندما تبنت سياسة التفجير والارهاب في الكويت والسعودية، ولم نقرأ له تحليلا حول ما فعلته نشاطات ومخططات هذا التنظيم وما تناسل عنه من جماعات وخلايا في كل مكان، بسمعة الاسلام ومصالح المسلمين.
ان اقتراح د. النفيسي الوحدوي لا يعتبر في حقيقة الامر نوبة تعقل او ميض واقعية في اطروحات الدكتور، بل هو ضربة للانظمة والحكومات القائمة في دول مجلس التعاون، ومحاولة تجاوزها لصالح «دولة جهادية» تديرها القاعدة من الداخل والخارج من خلال المدينة المنورة.
وليست لدي ذرة شك في ان دولة جهادية قاعدية كهذه، ان قامت في المنطقة، فسيكون اول قراراتها التفاهم مع القوى المتطرفة والمتشددة في ايران لتصفية الحساب مع بقية العالم العربي والعالم الاسلامي!
ولربما شكل الطرفان «لجنة ذرية» برئاسة فخرية يتولاها «عبدالقدير خان» اب القنبلة الذرية الباكستانية، وقل بعدها على العرب والفرس والترك والعالم كله السلام!
ان من يريد ان يقود حملة اعلامية لتوحيد دول مجلس التعاون ينطلق من الواقع لا من الخيال والمثال ولا يمكن لخطوة كهذه ان تنجح لمجرد تنامي المخاوف الاقليمية من ايران. والخطة التي يقترحها د. النفيسي، ان كان الهدف منها تقوية الجبهة الخليجية، فانها كما هو واضح مرتجلة عاطفية وغير مدروسة ومن الصعوبة كذلك ان نقتنع بان الولايات المتحدة ودول الغرب ستدمج دول المجلس بالاكراه، او حتى تفضلها متحدة ان ما نفتقر اليه هو المزيد من التنسيق والتعاون والثقة المتبادلة بين دول مجلس التعاون شعوبا وحكومات فبين هذه الدول اختلافات حقيقية في طبيعة الحكم ومستوى الحريات السياسية والاجتماعية والاوضاع الاقتصادية.
ومن المشاهد السياسية المألوفة في القضايا الوحدوية العربية ان اتخاذ القرارات يتم من الاعلى، وان الاعلام وربما الناس يتحمسون لبعض الوقت، ثم تبدأ المشاكل في الظهور والتأثير بدلا من التصارح حولها مقدما!.
ومن المشاهد الاخرى المألوفة للاسف في الاعراس الوحدوية العربية، توجيه تهم الخيانة والعمالة وعدم الولاء الوطني أو الخليجي أو العروبي، لكل من يشكك أو يعارض فيها. وفي حفل الاعجاب بمقترحات د.النفيسي، كما انعكس هذا الانبهار في الانترنت مثلا، لا يبدو ان الكثير من المعقبين يقدر الحريات التي يتمتع بها الناس في الكويت بموجب الدستور، أو يلتفت الى مستوى الدخل والرفاهية، أو حتى مجرد عدم وجود مؤسسة دينية تتسلط على الكويتي والكويتية ليل نهار! واذا كان بعض المسيحيين اللبنانيين كبش الفداء في الوحدة المصرية – السورية عام 1958، أو كان الاكراد موضع الريبة والشك في مغامرات صدام حسين الوطنية القومية التقدمية، فإن الشيعة هم العقبة كأداء هذه المرة امام الوحدة الخليجية القادمة.. «والمعنى في بطن الشاعر» كما قال د.النفيسي.
ولكن هل ابناء القبائل في الكويت بلا مخاوف من خطوة متسرعة كهذه؟ فهم الآن اغلبية سكانية، وقوة سياسية كبيرة، ويتمتعون مثل بقية الكويتيين بحقوق وظيفية ومستوى معيشي جيد، فهل هم على استعداد للتنازل عن كل هذا عن طيب خاطر، والسير خلف د.النفيسي، على الرغم من كل ما قاله عن البدو والدستور والديموقراطية والمجلس؟ وهل الشريحة الحضرية من الكويتيين تنتظر مثل هذه الوحدة، بعكس الشيعة مثلا، على أحر من الجمر؟ وهل ما يجري في الكويت من حوار حر حول اتحاد دول الخليج أو وحدتها الاندماجية، جار كذلك في بقية دول المجلس؟ وهل هناك، كما في الاتحاد الاوروبي، جداول زمنية للتقريب بين الآراء، والتنسيق بين القوانين، وتوسيع الحريات وبث التسامح ازاء الاقليات والمذاهب أو تعديل المناهج المدرسية؟
هل هناك تفاهم بحريني – قطري راسخ؟ وهل هناك تقارب قطري – سعودي – اماراتي؟ وهل هناك تطابق بين وجهات النظر العمانية والاماراتية والقطرية والكويتية والبحرينية والسعودية.. حول ايران؟
ان تجربة دول مجلس التعاون من انجح تجارب العالم العربي حتى الآن. ولا شك ان المطلوب كثير على الرغم من كل ما تحقق من تقارب. كما ان علينا ان نتذكر دوما ان الحرب القادمة لن تدمر حياة السنة وحدهم ولن تسلم منها حياة ومصالح الشيعة وستكون وبالا سياسيا عسكريا اقتصاديا بيئيا على كل دول المنطقة بلا استثناء.
وهنا نتساءل في النهاية، هل د.النفيسي قلق مما سيحدث في المنطقة، وبالتالي حاول في لقاء العشاء الاخير بديوان المعطش ان يعلق الجرس، وينبه الغافلين ام ان الخراب والموت لا يعنيان له أي شيء؟
ربما يكمن الجواب في تعاطفه الدائم مع تنظيمات «الجهاد»، ومع ما جرى في نيويورك يوم 11 سبتمبر في «غزوة مانهاتن»، او في المنامة بالبحرين، عندما طالب في محاضرة له بقتل 330 الف امريكي في ساعة واحدة من عامة الناس! وشملت خطته المقترحة العام الماضي، نثر اربعة ارطال من مسحوق الانثراكس المدمر، «بحجم شنطة صغيرة» على العاصمة الامريكية واشنطن، «وتكون 11 سبتمبر صحن زلاطة بالنسبة الى ذلك». واضاف انه يحتاج الى «واحد فدائي ينثر الانثراكس وسط حديقة البيت الابيض بعد تهريبها من انفاق المكسيك مثلما يُنثر النون مع يبّاب عُقُبها، والمسألة طماشة، حيث لا طائرات ولا توقيتات ولا مؤامرات». (انظر مقال د.احمد البغدادي في السياسة 2009/2/26 ومقال الزميل فاضل الطالب في الدار 2010/6/16).
العجيب، ان كلامه الكارثي الخطير هذا، نال كالعادة، الكثير من التصفيق والاعجاب، ولم يسأل احد من الحضور نفسه من سيدفع ثمن مغامرة ارهابية بشعة كهذه. فمن قال ان المشكلة محصورة في المحاضر وحده؟!
خليل علي حيدر
تعليقات