طارق نافع المطيري يُعلن استقالته من حدس، معللا ذلك بعدم قدرتها على تحقيق الصالح العام للأمة والمجتمع.
زاوية الكتابكتب مايو 17, 2010, 12:58 ص 3332 مشاهدات 0
أما بعد
استقيل من «حدس» الذين أحبهم وأختلف معهم
كتب طارق نافع المطيري
الحمد لله رب العالمين الذي أرسل رسوله محمدا بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، والتحيات و الطيبات على خير خلق الله أجمعين سيدي وقائدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ثم أما بعد:
يقول الله تعالى في محكم تنزيله: «رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ» «الحشر:10»
بهذه الآية الكريمة أبدأ هذه الكلمات معلنا بها استقالتي من عضوية الحركة الدستورية الإسلامية «حدس» بعد سنوات من العمل من خلالها لخدمة وطني وأهلي، ولقد منّ الله تعالى علي بأن دلني على الحركة الدستورية الإسلامية لتكون تجربتي الأولى في العمل السياسي، وبفضل من الله ثم من إخواني في الحركة تعلمت الكثير من مبادئ العمل السياسي ودراسة واقعنا السياسي وتداخلاته ومشاكله وقضاياه وشخصياته ورموزه، ما جعلني أكثر قدرة وقناعة على إعلان هذا القرار اليوم.
وهذا الفضل لابد من أن يذكر لأهله – إخواني في حدس – فكما قيل: «الحر من راعى وداد لحظة وانتمى لمن أفاده لفضله» وما كنت لأنكر فضلا لصاحب الفضل وإن كنت مودعا له اليوم ومفارقه لما أظن أنه الأصلح لوطني ومجتمعي.
إن سبب استقالتي من الحركة الدستورية الإسلامية «حدس» هو تصرف طبيعي لأي عضو في أي حركة سياسية يراها لم تعد قادرة على تحقيق الصالح العام للأمة والمجتمع وإن صلحت نواياها وصدقت في اجتهاداتها، فمشكلة واقعنا الذي نعيشه اليوم أكبر من قدرة الحركة الدستورية الإسلامية وإمكانياتها على التعامل معه فضلا عن حله، هذا وحدس هي أكبر وأقدر تنظيم سياسي فكيف ببقية الحركات السياسية الأخرى التي تعاني عجزا أعمق وأكبر من حدس؟!
كذلك مما حملني على تقديم هذه الاستقالة من «حدس» هو توصلي لقناعة منذ مدة ليست بالقصيرة على أن واقعنا السياسي يحتاج لمعالجة جذرية أكبر وأسمى من أيدلوجيات جميع الحركات السياسية ومنطلقاتها الفكرية، تلك الأيدلوجيات والمنطلقات التي أصبحت اليوم جزءا كبيرا من المشكلة الوطنية لا من الحل، ما جعل الحركات السياسية تعمل في بعضها البعض بمختلف أدوات التخاصم والتنازع لتثبت صحة أيدلوجياتها ومرجعيتها الفكرة على حساب الوطن الذي يتدهور أكثر فأكثر.
إن الحركات والشخصيات والرموز السياسية قد انشغلت اليوم أيما انشغال بعوارض المشكلة وظواهرها مبتعدة كثيرا عن جذورها وأساسها الذي ينتج تلك الظواهر ويملأ ساحتنا السياسية بها، فكم من معركة وصراع تخوضه النخبة السياسية اليوم لا يعود على الوطن والمواطن إلا بمزيد من الأسى والحسرة على حال الكويت التي كانت في يوم من الأيام مبعث فخرنا واعتزازنا.
يحصل ذلك بالرغم من الإمكانيات المالية والموارد البشرية والعقول القادرة على خلق واقع أفضل نستحقه ويجدر بنا، لكننا نفتقد للإدارة القادرة والإرادة الصادقة، وتلك الإدارة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال إرادة شعبية صادقة يعبر عنها الشعب بحرية كاملة كفلها الدستور الذي ينص في مادته السادسة أن «السيادة للأمة مصدر السلطات جميعا».
إننا كشعب نحتاج لأن نبادر لإيجاد خيار سياسي يتوجه لجذر المشكلة ويحلها، خيار سياسي يرى العجز الواضح في الإدارة خطيئة لا يمكن السكوت عنها والاستسلام لها، خيار يرى في الأمة إرادة يجب أن تتحرر من واقعها المحبط لتصنع مستقبلها المشرق الذي تستحقه.
إن ذلك الخيار السياسي لا أراه متمثلا لا في الحركة الدستورية الإسلامية «حدس» ولا في أي حركة سياسية أخرى اليوم، إنني آمل أن يتمكن أعضاء تلك الحركات السياسية إحداث تغييرات جذرية في حركاتهم يؤهلهم للمساهمة في صنع مستقبل أفضل وإصلاح واقعنا السياسي المؤلم، لكنني أعلم أن بناء الدول لا يكون بمجرد الآمال والأحلام ما لم يصاحبها وقائع وممارسات عملية تجعل تلك الآمال والأحلام حقائق يعيشها من استحقها، وحتى كتابة هذه الكلمات أجد أن واقعنا السياسي يفتقد الحلم فضلا من أن يخلق السعي لتحقيقه.
واليوم أجدني متحررا من أي التزام أدبي أو حزبي أو تنظيمي من الحركة التي أعود لها بالفضل على كل ما أتاحته لي من صحبة خيرة وخبرة عريقة، وأراني منطلقا لمجتمع رحب فيه من القدرات والإمكانيات التي تفوق قدرة وإمكانيات كل الحركات السياسية مجتمعة، وإلى المجتمع أتوجه بكلمة وأقول : قم واصنع مستقبلك الذي لن يصنعه لك غيرك.
في السياق
توقيتي لإعلان هذا القرار قد تم منذ مدة ليست بالقصيرة وتم إعلام «حدس» بهذا الموقف مع تأجيل القرار لهذا اليوم، وتأتي الأقدار لتجعل موعد إعلان القرار متزامنا مع اعتقال الأستاذ المحامي محمد عبد القادر الجاسم من قبل أمن الدولة لأنه مارس حقه الطبيعي والدستوري في التعبير عن رأيه، وهنا أجد نفسي ملزما أدبيا وإنسانيا إعلان تضامني الكامل مع الأستاذ الجاسم دفاعا عن مجتمع وشعب عليه واجب النهوض لتحقيق حريته الكاملة ورفض كل ممارسة تنتقص من كرامة أي مواطن وتقيد حريته «الحرية للجاسم».
تعليقات