د.عبدالحميد الصراف يحذر من الاستعجال فى الخصخصة، إذ لاتوجد أي ضمانات من شأنها إنجاحها من دون نتائج سلبية كبيرة
زاوية الكتابكتب إبريل 24, 2010, 12:22 ص 1372 مشاهدات 0
د. عبدالحميد الصراف | المزيد
لماذا الاستعجال بمشروع الخصخصة؟
عارضت مجموعة من أعضاء مجلس الأمة، بشدة، إقرار مشروع قانون الخصخصة الذي يسمح بتحويل ملكية الخدمات العامة إلى القطاع الخاص. وقد نال المشروع موافقة مبدئية من قبل البرلمان في مداولته الأولى. وكان واضحا اختلاف وجهات النظر بين المؤيدين والمعارضين له من أعضاء البرلمان، وكلّ كانت له مبرراته واقتناعاته، خصوصا أن المعارضين كان لديهم تخوّف على مستقبل العمالة الوطنية، ورهن الاقتصاد بيد قلة من التجار المتنفذين بعد تخصيص القطاع العام.. والحكومة بالطبع تريد الخصخصة للمضي بمشروع التنمية، ولها أهدافها وغاياتها المحددة والواضحة لمن أراد أن يقرأ ما بين السطور.
أما القطاع الخاص، فلا شك يريد الخصخصة ليستفيد من الميزانية المالية الضخمة المرصودة لخطة التنمية في إطار إنجازها. الحكومة أمام خيارين، أحدهما أصعب من الآخر. الأول أنها تريد أن تباشر في تنفيذ خطتها التنموية، لكنها غير واثقة بأداء وإنجاز جهازها التنفيذي. والخيار الثاني، وهو الأسلم في نظرنا، الاتجاه نحو القطاع الخاص في أن يحمل عنها عبء المسؤولية المباشرة بتنفيذ الخطة التنموية. وأيضا الحكومة غير واثقة من إيكال هذه المهمة إلى القطاع الخاص.. لأن له أجندته غير الخاضعة إجمالا للرقابة والمحاسبة.
وهناك اعتبارات أخرى؛ منها عدم وجود الخبرة الكافية في مجال أنظمة الخصخصة في القطاع العام وآليات تحويله الى القطاع الخاص في إطار من العدالة والمساواة بين المواطنين، حيث إن المتنفذين ممن يملكون الملاءة المالية الضخمة في القطاع الخاص، سيكون لهم نصيب الأسد في ملكية أسهم القطاع العام، وبالتالي ستكون لهم سطوة على رقاب المواطنين البسطاء.
مازالت معظم الشركات في القطاع الخاص تعتاش وتتطفل على المال العام، وكثير من المشاريع التي أوكلتها الحكومة لتلك الشركات لم تُنجز بالشكل المطلوب، وكبّدت ميزانية الدولة أموالا طائلة.. فلا بد أن تدرس الحكومة إذن آليات وكيفيات تطبيق قانون الخصخصة بعناية ودقة متناهية، وتستفيد من خبرات الدول العريقة في هذا المجال.. مع الأخذ بالاعتبار خصوصية المجتمع الكويتي وبيئته. أما الاستعجال بالخصخصة فيكبّد المواطن والمال العام الخسائر الفادحة، فمازالت هناك مثالب وثغرات وسلبيات كثيرة في مشروع قانون الخصخصة الواجب تفاديها، حتى وإن تأخر صدور القانون، فاللجنة المالية عليها مسؤولية كبيرة في دراسة التعديلات على مشروع القانون قبل عرضه على مجلس الأمة، لأخذ مزيد من التمحص والتحقق من بنوده، والاستئناس بآراء المختصين والمستشارين الذين يحكمون ضميرهم، ولا يفكرون بالغنائم، ويهمهم مصلحة المواطن والوطن المقدمة على كل اعتبار، وذلك حتى لا تصبح الكويت أسيرة بيد حفنة من التجار الذين لا رادّ لشراهتهم.
الطريق الى الخصخصة مازال وعرا وغير سالك.. فالتمهل هو المطلوب بغية التعرف إلى ما هو صالح لنا، بعيدا عن عن إخفاقات الجهاز التنفيذي وضغط فئة التجار ومشاريع تنفيذ خطة التنمية.. لذلك لا يمكن أن نبرر لأنفسنا تمرير مشروع قانون الخصخصة على حساب مصلحة المواطن والوطن، أو أن نربط نجاح أو تنفيذ خطة التنمية بالمشروع نفسه.. وبالتالي يقع الضرر على المواطن ويصبح هو الضحية، في حين أنه تصعب وجود أي ضمانات راهنا من شأنها إنجاح عملية نظام الخصخصة من دون نتائج سلبية كبيرة.
مشروع قانون الخصخصة لا بد أن تسبقه مجموعة قوانين تهيئ له الأرضية الصلبة المناسبة، بحيث يتم تطبيقه دونما معوقات، ويجب أن تكون هناك إدارة متمكنة لعملية الخصخصة، واختيار أفضل الكفاءات المهنية المؤهلة وفق أساليب الخصخصة الناجحة التي تتوافق مع طبيعة ومتطلبات التنمية والاقتصاد الوطني واحتياجات المواطن الكويتي.. وليس المقصود فقط الأخذ بالإطار الشكلي أو النظري من دون استيعاب مضمون الخصخصة وآثارها الاجتماعية والاقتصادية على المواطن الكويتي.
ثمة دول عربية عدة تحمّست كثيرا لتطبيق نظام الخصخصة، بناء على اقتناعات ومبررات معيّنة، ولكن كانت النتائج عكسية وسلبية، ولم تف بالغرض المطلوب. فإذن يجب أن نُجري الدراسات والبحوث المتعلقة بالخصخصة من واقع ما نريده نحن، وليس الآخرون أو المتطفلون على المال العام. نريد قطاعا خاصا يشارك ويسهم، يفيد ويستفيد، يضع بصمة إيجابية في تعزيز الاقتصاد الوطني وتقويته، ويسعى بشكل دؤوب لخدمة الخصخصة والارتقاء بمستوى الخدمات العامة للمواطن.
أما الخصخصة المتجهة لخدمة التجار فمرفوضة شكلا ومضمونا، وعلى الحكومة والبرلمان أن يزيلا مخاوف المواطنين من خصخصة القطاع العام، ويضعا الضمانات الكافية، والقوانين الرادعة لمن يريد العبث بمقدرات الشعب الكويتي ونوايا الحكومة الكويتية الحسنة والجادة جدا في هذا المجال.
تعليقات