د. عبدالله الجسمي يطرح تساؤلات حول قضية الخصخصة وبدائلها وتداعياتها على المجتمع الكويتي
زاوية الكتابكتب إبريل 13, 2010, 11:59 م 752 مشاهدات 0
د. عبدالله الجسمي
المزيد
معارضو الخصخصة.. والبديل
ينبغي ألا يفهم من عنوان المقال أن كاتبه يقف مع الخصخصة، بل إن هذا العنوان يطرح تساؤلات حول قضية تعد الأهم، من بين القضايا التي سيكون لها تأثيرها البالغ على المجتمع الكويتي. وقد شهدنا مؤخراً بداية لردود الأفعال على ما طرح حول قانون الخصخصة، الذي يلاقي معارضة لا بأس بها من قوى وأطراف سياسية ونيابية ونقابية، وهذه مسألة متوقعة، بسبب أهمية الموضوع.
والموقف من الخصخصة يجب ألا يختزل بالقانون المقدم إلى مجلس الأمة، والذي سيتم طرحه قريباً للتداول واتخاذ القرار بشأنه، إذ علينا النظر للخصخصة برؤية شمولية من حيث الأسباب الدافعة لطرحها، والنتائج التي ستتمخض عنها في حال تطبيقها، خصوصاً آثارها المترتبة على المواطنين من ذوي الدخل المحدود.
عندما شرعت بعض الحكومات الأوروبية في العقود الأخيرة في خصخصة مؤسسات القطاع العام، سبق ذلك دراسات مطولة حول الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ستتركها على المجتمع، وذلك للتعامل مع ما قد ينتج من سلبيات عند التطبيق والإعداد المسبق لمواجهتها. كما سبق ذلك حملات إعلامية من قبل الحكومات تبين فيها أسباب توجهها للتخصيص، والتوضيح للمواطنين ماذا يمكن أن ينتج عن ذلك بكل شفافية. وللأسف لم يتم عمل أي شيء من هذا القبيل عندنا. والسبب الأساس الذي دفع الحكومة إلى طرح هذا المشروع، أو القانون، هو اقتصادي بحت، ولم تتم دراسة الآثار السياسية والاجتماعية والثقافية لخطوة مثل هذا النوع، ولا توجد حملة توعية وتوضيح للقانون المطروح، ولا كيفية تطبيقه ونتائج ذلك على المجتمع.
وإذا تأملنا موقف العديد من أعضاء مجلس الأمة، فسنجد طرفين متناقضين، أي من هو مع المشروع، والعكس.. ولأسباب مختلفة، لكن الغالبية منهم لا تعرف لماذا هي ضد ولماذا هي مع؟ فهناك من يؤيد، لأنه مشروع حكومي ويقف دائماً في صف الحكومة. وهناك من يعارض، لأن «الحيتان» هم المستفيدون، لكنه لا يبين كيف سيستفيد هؤلاء، ولا يعمل على صياغة القوانين التي تحد من ذلك. وهنا يجب التوقف عند من يعارض مشروع الخصخصة، ونطرح عليه السؤال التالي: ما هو البديل للوضع الحالي؟ وهل من الممكن الاستمرار بالسائد إلى ما لا نهاية؟ فمن دون شك هناك العديد من المؤشرات السلبية التي ستظهر تباعاً على الاقتصاد المحلي، في حال استمرار الدولة كمصدر أساس للتوظيف، وما تبع ذلك من التزامات مالية. فلو ننظر حالياً إلى ما يستهلكه بند الرواتب من الميزانية العامة للدولة، فسنجد نصف الميزانية يذهب للرواتب تقريباً، هذا عدا الالتزامات الأخرى المرتبطة في هذا المجال، وكما نعرف بأن نسبة الشباب تقارب 60% من المجتمع الكويتي، وهؤلاء بحاجة إلى وظائف في المستقبل، فإذا استمرت سياسة التوظيف الحالية على هذا المنوال وتضاعف عدد الموظفين الكويتيين، فسيلتهم ذلك مدخول الدولة من النفط، وسيكون على حساب التنمية والتطوير بشتى أشكاله.
وهناك مسألة أخرى نجدها متفشية في القطاع العام، ألا وهي الفساد الإداري والتنفيع والتكسب من وراء الوظيفة بشتى الطرق. فمن يتابع تقارير ديوان المحاسبة، والقضايا التي تثار حول التجاوزات المالية، أو الإدارية في الوسائل الإعلامية المختلفة. ويقارن ذلك في القطاع الخاص، فسيجد العجب العجاب. إذ أصبحت مؤسسات الدولة مرتعاً خصباً لأصحاب النفوذ الذين يجيرون الكثير منها لمصالحهم الخاصة، ويستحوذون على المناقصات والمشاريع بشتى الوسائل القانونية وغيرها، ناهيك عن الشللية والتحزبات الفئوية التي تنخر معظم وزارات الدولة ومؤسساتها الإدارية. فلقد انعكس الواقع السياسي الذي يقوم على التفرقة القبلية والطائفية والعائلية والعرقية على مؤسسات القطاع العام، فالصراع السياسي ذو الأبعاد الاجتماعية أصبح المعيار الذي يتم من خلاله صياغة القرارات وتحديد الترقيات والتعيينات في المناصب الإدارية، وتحول التنافس بين الموظفين من تطوير للعمل إلى تحقيق مكاسب لشريحة معينة ضد أخرى.
وقد أسهم العديد من أعضاء مجلس الأمة في هذه المسألة، ومنهم من أكثر معارضي موضوع الخصخصة. فقد قام هؤلاء بتسييس المناصب، بدءاً من الوزارة والهياكل القيادية فيها وحولوها إلى نظام محاصصة سياسي ذي أبعاد طائفية أو عرقية أو قبلية، من أجل مصالحهم الانتخابية ومصالح الفئة أو الأفراد القريبين منهم. كما أسهموا في جانب من الفساد الإداري المنتشر في القطاع الحكومي، ووظفوه لخدمتهم، بغض النظر عن النتائج المستقبلية المترتبة على ذلك.
هناك إذاً خلل كبير في مؤسسات وهيئات ووزارات القطاع العام، وإذا استمرت الأمور على ما هي عليه فستكون النتائج سلبية جداً. ولم يقدم في الوقت نفسه معارضو الخصخصة تصوراً بديلاً يمكن أن يصلح من الأوضاع الاقتصادية ويعطي الأمل للأجيال الجديدة بمستقبل أفضل، ويحفظ حدودا معينة للعيش الكريم للمواطن.
والحيرة في موضوع الخصخصة أو بقاء الأوضاع على ما هي عليه، تكمن في أن كليهما سيؤديان إلى أوضاع غير محمودة العواقب، وسينتج عنهما مشكلات في المستقبل ستدفع ثمنها الأجيال الجديدة. فكلاهما يضع المرء في حيرة وورطة، خصوصاً من يسعى للمصلحة العامة ويرغب في التطوير للأفضل، ويدفع للتساؤل عن البدائل التي يمكن من خلالها تجاوز الأوضاع الحالية وتأثيراتها المستقبلية.. وهل فكر المعنيون جميعا بهذه المسألة في تغيير ممارساتهم وتحمل مسؤولية إصلاح حقيقي للدولة ومؤسساتها؟
تعليقات