شارحا تاريخ المنطقة، وتحديدا الكويت والسعودية والعراق..فهيد البصيري ينتقد هوس الجنسية الذى نعانيه هذه الأيام

زاوية الكتاب

كتب 1303 مشاهدات 0


الراى

فهيد البصيري / هوس انفصام الجنسية
 
لم أر، ولم أسمع، ولم أقرأ في حياتي عن شعب احتار في نفسه، كالشعب الكويتي، وفي الأيام الأخيرة أصيب المجتمع بهوس انفصام الجنسية.
فتارة يغني (أنا كويتي أنا)، وتارة يغني (أنا الخليجي)، وتارة يقول الكويت هي جبلة وشرق، ثم يتلطف أحدهم ويقول (حدنا السور)، وعندما أدركوا أن الجغرافيا السياسية أمر واقع، وأن الكويت دولة قانون ومؤسسات، استبدلوا تلك النغمة بنغمة جديدة، فظهر لنا كويتي أصيل، وكويتي (بيور) وكويتي (لفو)، وولد بطنها وولد ظهرها، وهلم جرا من التصنيفات التي لا تعكس سوى حالة الضعف والغباء التي يحاول هؤلاء ترسيخها في الشخصية الكويتية المعاصرة.
فما بناه الأجداد على مر الأعوام يحاول البعض هدمه في ثوان معدودة، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، ودون أن يحرك ذلك مشاعر المسؤولين في الدولة، وكأن العبث في أمن ووحدة الكويت من الحقوق التي كفلها الدستور!
كل ذلك لأنهم وبعد 50 عاما اكتشفوا مشكلة ازدواج الجنسية، وكأنهم اكتشفوا الكهرباء! ولن أخوض في الموضوع بالطريقة (البلدي) كما فعل من سبقني، بل سأرسم خريطة واضحة للمشكلة يمكن من خلالها فهم ماذا حدث، ولماذا حدث، وما العمل؟ فلكي نحل أي مشكلة كانت، يجب البحث في جذورها، لكي نعرف أسباب تكونها، ومن هنا يجب العودة إلى تاريخ المنطقة عند تشكلها في بداية القرن العشرين، ولن أعود أكثر كي لا تصابوا بصدمه نفسية تاريخية مزمنة.
وكما تعلمون فإن الكويت جغرافياً تقع ضمن إقليم واسع، يمتد من (سفوان) و(الزبير) شمالاً وينتهي في الإحساء جنوباً، ولم تكن الكويت في بداية تكونها سوى مدينة صغيرة يتبعها قريتان أو ثلاث هي عبارة عن (قلبان) أي آبار للماء، فإن كان المتحدثون عن الأصالة الكويتية يقصدون الكويت المدينة فقط فكلامهم لا غبار عليه، فالغالبية العظمى من الكويتيين البدو لم تستقر في المدينة قبل النفط، وإلا ليسوا بدواً! ولكن تاريخ الكويت لم تكتبه المدينة فقط، وإلا لبقيت الكويت مدينة، بل رسمه عجاج الصحراء أيضاً، وليس في ذلك بدعة، فتاريخ الكويت السياسي موثق في كتب التاريخ وبكل لغات الأرض، ولمعرفة الطبيعة السكانية التي صنعت تاريخ المنطقة عموماً وتاريخ الكويت خصوصاً، اسمحوا لي أن أذكر لكم مكونات جيش مبارك الكبير رحمه الله، والذي لم يكن سوى صورة مصغرة لسكان المنطقة ولأهل الكويت في نهاية القرن الثامن عشر ميلادي، حينها، لم يكن قوام جيش الشيخ مبارك سوى أبناء القبائل الموجودة في المنطقة، وللعلم ليسوا من قبائل النيبال! وفي معركة (الصريف) على سبيل المثال لا الحصر وتحديداً في عام 1900م كان (مطير) وأميرهم الدويش على يمين الشيخ مبارك و(العجمان) كانوا على يساره، إضافة إلى حاضرة الكويت التي لم تكن في أغلبها سوى امتداد لقبائل المنطقة نفسها، وليسوا من قبائل (الزولو)، وتاريخ الكويت لا يمكن فصله عن تاريخ الإقليم، فالشيخ مبارك كان يأخذ الزكاة من تلك القبائل المتناثرة هنا وهناك على رقعة هذا الإقليم، وليس هذا فقط بل إن الروابط بين حكام تلك الفترة قوية لدرجة تبعث على الحنين إلى الماضي. فهذا هو الملك عبدالعزيز رحمه الله، يقود بنفسه كتيبة الخيالة في جيش مبارك في موقعة هدية عام 1911، وكان جلها من قبيلة العجمان وكانت الكتيبة الوحيدة التي قاتلت، وصمدت لتضمن انسحاب بقية الجيش بسلام.
ولا يمكن الحديث عن تاريخ الكويت، دون الدخول في تاريخ السعودية وحتى تاريخ العراق، ولهذه الأسباب نجد بعض القبائل، والأسر منقسمة إلى قسمين أو أكثر بين هذه الدول.
والطريف والمخيف في الوقت نفسه، أن النظام العراقي في عام 1990، كان أكثر ذكاء من مثقفينا وسياسيينا للأسف الشديد، واستغل هذا التاريخ المتشابك للمنطقة في جملة تبريراته لغزو الكويت، وبث في أيام الغزو الأولى، وعبر محطته التلفزيونية بياناً يطمئن فيه القبائل الكويتية مدعياً أنها عراقية! وراح يسرد قائمة بأسماء القبائل، وعلى رأسها قبائل، العجمان، ومطير، والعوازم، وعتيبة! وأخرى كثيرة لا أذكرها، لقد قرأ صدام التاريخ جيداً وكان يمتلك مادة دسمة يستطيع من خلالها المجادلة، وبالفعل فقد وصلت القبائل النجدية إلى النجف وكربلاء وكان جنوب العراق ساحة مفتوحة للجميع إلى وقت قريب، بل إن العجمان استقروا على آبار سفوان لأعوام بعد عام 1915، على أثر خلافاتهم مع الملك عبدالعزيز وكانوا وبالاً على مدينة البصرة، ومن الممكن ومن خلال هذا المسار التاريخي فهم امتلاك النجديين والكويتيين خاصة، لغالبية منطقة الزبير، والفاو، وأبو الخصيب، بل مازالت أملاك أسرة الصباح الكريمة، وغيرها من الأسر الكويتية هناك شاهدة على اتصال تاريخ المنطقة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.
من هنا يجب أن ننظر إلى مشكلة ازدواج الجنسية كمشكلة طبيعية، وواردة في مثل هذه الظروف، بل هناك من يحمل أكثر من جنسيتين لأنه معروف على امتداد المنطقة، ولكن معالجة المشكلة بهذه الصورة الغوغائية والغبية، وتركها في متناول كل من( هب ودب)، سوف يخلق عددا من المشاكل أكبر من حجم المشكلة الأصلية. فلهذه النوعية من القضايا بعدٌ سياسي مع دول الجوار، ولها بعد تاريخي واجتماعي يمكننا فهمه، وإن كنت لا أفهم البعد التاريخي والاجتماعي لحصول شخص ما على جنسية أخرى ليست حتى إسلامية!
فالقضية إذا قديمة، وليست إبداعاً يكافأ عليه من يثيرها اليوم، والمصلحة الوطنية تحتم ألا يُسمح لأي جاهل أو مهووس أو ربما عميل للإفتاء فيها واستغلالها، فهي قضية تمس أمن الدولة، وتضعف من مكانتها الدولية، وتصيب سيادتها في مقتل، وقد تضعها أمام استحقاقات إقليمية هي في غنى عنها.
وعلى الحكومة بنفسها لا غيرها التعامل مع هذا الملف الحساس بموضوعية وحكمة، وليس على طريقة الاستثمار السياسي على حساب قضية (البدون)! آخذة في الحسبان جميع الظروف التي خلقت هذه المشكلة، مع أنه في تصوري المتواضع أن هذه المشكلة أصبحت اقل أهمية في الوقت الحاضر، منها لو نوقشت في الماضي، أما اليوم ومع وجود منظومة مجلس التعاون، واستقرار قبائل الإقليم كٌل في منطقته لأكثر من 80 عاما، وبعد درس الغزو العراقي، الذي لم يستطع إثبات ازدواج الجنسية أو الولاء لدى الكويتيين، فإن إثارتها بهذه الصورة، ما هو إلا عبث بمستقبل الكويت الذي لم يعد يهم أحداً هذه الأيام!

فهيد البصيري

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك