لم يعتد الكويتيون أن يكونوا عبيدا لأحد عبر تاريخهم بكل صفحاته المتغيرة والمتحولة فالعبيد لا يصنعون التاريخ بل أن ذلك من مهمة الأحرار... ولن تنتكس راية الحرية في الكويت أبدا.. هذا مايراه الكاتب العراقي داود البصري

زاوية الكتاب

كتب 470 مشاهدات 0


 


الحرية في الكويت سر الصيرورة الوطنية!

منذ أن نشأت الكويت و تجلت كحقيقة واقعية على مسرح السياسة الدولية كان سر خلطتها وتألقها وتحديها لمختلف الظروف الصعبة والشدائد والمحن ومحاولات الغزو والضم والإلحاق يتمثل في كلمة واحدة لها قدسيتها الكبرى في الضمير الجمعي للكويتيين, وهي كلمة 'الحرية' التي تحت رايتها و خيمتها الجامعة المانعة أتيح لأبناء الكويت شرف الدفاع حتى الموت عنها, وبها و منها و تحت إطارها تمت كل عمليات البناء الوطني والتحديثي, وفي مرحلة الستينات الذهبية من القرن الماضي التي شهدت بلورة النموذج الحديث للدولة الكويتية كانت حرية الصحافة والمعلومات هي أبرز ما يميز هذه الدولة الصغيرة التي تألقت وسط مرحلة كانت عامرة بشعارات الثورية والانقلابية والاشتراكية والدولة البوليسية والديكتاتورية, بينما كان الكويتيون في حالة انكباب على بناء نموذج عربي و خليجي مشرف لدولة الرفاهية التي تضمن حقوق الشعب ولا تظلم الناس ويكون ديوان الحاكم فيها مفتوحا لأبناء شعبه يستمع لهمومهم ويشاطرهم أحزانهم. واستمر هذا الوضع في مرحلة السبعينات وكانت الحرية دائما هي السمة العامة والهوية التعريفية للكويت, ونشأة الدولة الكويتية بحد ذاتها لم تكن بالأمر الهين, بل إنها عملية تحققت مع جهود كبرى بذلها الرواد الأوائل من مؤسسي الكيان الكويتي الحديث, بدءا من الشيخ جابر الأول بن صباح مرورا بالقائد الأسطوري والموطد الفعلي للدولة الكويتية الشيخ مبارك الصباح الذي خاض المعارك وسطر الملاحم  وقدم وشعبه تضحيات هائلة من أجل الحفاظ على الهوية, والتواجد وسط عالم متوحش لا يعترف إلا بالقوة, وفي مرحلة تاريخية صعبة اتسمت باختفاء دول وظهور أخرى إضافة الى الأدوار الخطيرة التي مارسها الاستعمار البريطاني خصوصا والغربي عموما في التلاعب بالحدود وخلق ألغاما وقنابل موقوتة خطيرة تلغم علاقات الشعوب, ووسط تلك الهوجة ورغم قلة الإمكانيات كانت الكويت متواجدة في قلب الحدث و عين العاصفة ولم يعبأ شعبها الصابر وقتذاك بكل المخاطر, بل وقف مدافعا عن الكيان الحر الصغير بدمه وأعصابه فكانت ملحمة الجهراء الكبرى عام 1920 التي كانت بطاقة التعريف الوطنية الكويتية الكبرى لبروز وتألق وكفاح الكويت الحديثة التي عضت بالنواجذ على الاستقلالية والهوية الوطنية ورفض الإملاءات من أي جهة كانت, كان ذلك في عهد الشيخ سالم بن مبارك الصباح الذي أبى أن يفارق الدنيا إلا بعد أن تكحلت عيونه برؤية الكويت الحديثة وأبنائه بناة السور وهم يشقون طريقهم نحو الاستقلال الحر والناجز, وقد أبلى الشعب الكويتي أعظم البلاء لتأكيد ثوابت شخصيته الوطنية و تمسكه بحريته و سعيه الدائم الى الحياة الدستورية التي هي صمام الأمان لكل المتغيرات الإيجابية والتقدمية في حياة الشعوب, وخاض صراعا حثيثا من أجل نشأة الحياة الدستورية والمشاركة الشعبية في الحكم مما أضاف للمشهد السياسي الكويتي المتحول حركية شديدة وسط عالم متغير في مرحلة تاريخية صعبة وحساسة  'مرحلة ما بين الحربين الكونيتين'وظروف الحصار الصعبة التي كانت تعانيها الكويت في الشطر الأول من حكم المغفور له الشيخ احمد الجابر الذي شهد نهايات عهده تدفق الخير وتغير الحياة والمباشرة ببناء اللبنات المركزية الأولى لهيكلية الدولة الكويتية الحديثة وحيث كان عهد المغفور له الشيخ عبد الله السالم بداية مرحلة جني ثمار معاناة الماضي وتأسيس الحياة الدستورية على اسس قانونية راسخة تجذرت مع إعلان دستور دولة الكويت في 11 نوفمبر 1962 وحيث اختطت الكويت بعدها طريقها الانفتاحي المسالم وجابهت كل المواقف الصعبة والتحديات المفروضة عبر الإرادة الشعبية المتفاعلة مع مؤسسة الحكم ووسط تلك الأجواء التطورية رعت الديمقراطية الكويتية الحياة الصحافية التي شهدت انطلاقتها الكبرى بفعل السقف الواسع و المسؤول للحرية الصحافية وحرية التعبير وهو الذي جلب للأسف للكويت المسالمة عداوات ومواقف سلبية وثارات لم تتوقف موجاتها حتى اليوم للأسف. لقد أعطت الكويت أكبر سقف للحريات في زمن القمع والديكتاتورية في العالم والشرق الأوسط بالذات وكانت إحدى الجزر القليلة للحرية, لذلك فعندما تظهر اليوم بعض الرؤى والتوجهات لقمع الحريات في زمن العولمة الكونية والحرية الذي نعيش فإن في ذلك في رأيي ردة فظيعة وغير منطقية على ثابت من ثوابت المنهجية الفكرية في الكويت, حينما تعرضت الكويت للغزو والضم والإلحاق والإلغاء ومحاولة المحو من الخريطة و الذاكرة من قبل الآلة العسكرية لنظام صدام حسين لم تهزم الكويت رغم كل ما حصل من تدمير ووحشية والسبب هو أن الحرية لا يمكن أن تهزم أبدا, قد تتراجع وتنسحب تكتيكيا ولكن أن تهزم ستراتيجيا فذلك ضد منطق التاريخ و طبائع الأمور وحقائقها, فالرد على الفتنة و أجوائها و من يلوح بها من دول و أشخاص لا يمكن أن يكون إلا بضخ المزيد من الحريات لأن العملة الجيدة تطرد الرديئة.
 لقد غزيت الكويت عام 1990 ونكب شعبها وقتئذ لأن راية الحرية كانت تعيش انتكاسة مرحلية بسبب أحوال الصراع السياسي المحتدم منذ أواخر الثمانينات وتصور الديكتاتور العراقي بأن الخلاف الوطني الكويتي سيسهل هضم الكعكة الكويتية و لم يدر وقتذاك بأن وصفة العلاج السحرية وهي الحرية ستقبر كل الأحلام الفاشية, فالأحرار لا يهزمون أبدا مهما بلغت التضحيات, لقد عودتنا الكويت على صحافتها الحرة وثقافتها التسامحية والانفتاحية التي كانت سفيرها للعالم أجمع, لذلك ليس من المتصور ابدا أن يخذل الكويتيون وصفتهم السحرية ويتخلون عن الحرية المقدسة فشعب من الأحرار لا يهزم أبدا , ولم يعتد الكويتيون أن يكونوا عبيدا لأحد عبر تاريخهم بكل صفحاته المتغيرة والمتحولة فالعبيد لا يصنعون التاريخ بل أن ذلك من مهمة الأحرار... ولن تنتكس راية الحرية في الكويت أبدا.

  كاتب عراقي

السياسة

تعليقات

اكتب تعليقك