يرى فهد الهندال إن ما يقدم عبر الفضائيات من تشويه للمشهد الاجتماعي في الكويت هو إساءة كبرى تهدف للنيل من مكانة هذا المجتمع
زاوية الكتابكتب سبتمبر 14, 2007, 12:11 م 516 مشاهدات 0
فاصلة / انحطاط الفن باسم الفن!
فهد توفيق الهندال
في بدايات القرن العشرين ظهر جدال في شأن فكرة «الفن للفن» التي وقف مؤيدوها ضد أي
محاولة لجعل الفن مجرد وسيلة تنتهي وظيفتها وقيمتها بمجرد تحقيق الهدف منها في
الحياة اليومية، بمعنى أن يكون دور الفن هنا استهلاكياً وليس توعوياً. هذه الفكرة
استمد مناقشوها من أفلاطون ما كان ينادي له بأن أهداف الفن هي التعليم والتربية
الأخلاقية. ولعل الجانب الأخلاقي لديه كانت له أولوية مطلقة. لهذا هاجم أفلاطون
شعراء عصره، أبرزهم هوميروس، لكون شعرهم يقضي على نضوج الأفراد في سن مبكرة. في حين
يرى أوسكار وايلد أنه لا يوجد كتاب أخلاقي وآخر غير أخلاقي، وإنما كتاب جيد التأليف
وآخر رديء التأليف.
واليوم الأمر كذلك، فمع توالي الأعوام الماضية وزيادة عدد وتنوع الفضائيات لم يعد
الحوار عن الفن محصوراً بين المبدع والناقد والمتلقي، بل تجاوزه ليكون ضمن المشاريع
التجارية والرغبة الجامحة بالربح السريع غير الواعي بخطورة استغلال الفن والإعلام.
ومع قناعتنا بأن الفن هو درجة السمو التي يصل إليها الإبداع، وأنه رسالة إنسانية
مهمتها صعبة لكونها ترتبط بنمو المجتمع ذوقياً وثقافياً وفكرياً، وهذا ما برهنت
عليه مسيرة الفن الحديث في الكويت خلال أواخر القرن الماضي من ارتقاء الأعمال
الفنية عموماً، والدرامية خصوصاً، بما حملته من مفاهيم وقيم وأفكار رائعة، جعلت
الكويت في مصاف الدول المصدرة والمشجعة للفن والإبداع. ولكن تغيرت الخارطة لما هو
سيئ وأسوأ وعمت الفوضى بعد انتشار الفضائيات واقتحام المنتجين غير المتخصصين
والدخلاء على الفن، ومن هم بعيدون عنه وعن علمه، جاهلين ومتجاهلين آداب المهنة
وفكرها ودورها التوعوي في معالجة قضايا المجتمع، بدلاً مما يروج له من سماجة
التصريحات بأن دور الفن هو «تعرية المجتمع وكشف خطاياه» بما يدلل على سطحية ما يقدم
من أعمال وتفاهة ما يروج لها!
إن ما تشهده الساحة المحلية بسبب النقاش الساخن في شأن كتابة وإنتاج عدد من الأعمال
الفنية على يد غير المتخصصين بالفن، لهو دليل على تدنى صورة الفن وانحطاط صورته
السامية بعدما شوهت بسبب بعض الأدعياء والمقاولين والمتاجرين بظروف وهموم المجتمع
وقضاياه، والباحثين عن الإثارة وما يتبعها من فائدة وكسب فوري على أساس أن الممنوع
مرغوب، وهي فكرة أصبحت واقعية مهما كان يقيننا من بلاهتها.
إن ما يقدم عبر الفضائيات من تشويه للمشهد الاجتماعي في الكويت هو إساءة كبرى تهدف
للنيل من مكانة هذا المجتمع، بضرب مكوناته الاجتماعية ومكتسباته السياسية وتزييف
واقعه الاجتماعي عبر فئات لم تراع مشاعر أفراده ولا خصوصية ظروفه بما يؤكد وجود
مخطط خطير لزعزعة الاستقرار الاجتماعي. هذا، ولم تقتصر الإساءة على من هم غير
المنتمين للوطن، بل أيضاً هناك من هم منا وبيننا وضع كسبه الفوري وزيادة إيراداته
الإنتاجية فوق سمعة الوطن ووحدة نسيجه الاجتماعي وتاريخ الفن الطويل في الكويت!
والعاقبة لمن يعقل ويتدبر.
الرأى
تعليقات