خالد الخميسى يغوص فى حياة الفلاح المصرى وييدعو لإلغاء عيد الفلاح الذى لايدرى عنه الفلاح الحالى شيئا
زاوية الكتابكتب سبتمبر 14, 2007, 11:47 ص 754 مشاهدات 0
عيد الفلاح
خالد الخميسي
احتفلت مصر منذ ايام قليلة بعيد الفلاح. مانشيتات في الصحف ومقالات و'زغاريط'
وخطب رنانة حول دور الفلاح في نهضة الامم، اعلانات في الصفحات الاولى لبنك التنمية
الزراعية يهنئ مزارعي مصر بعيد الفلاح، رغم ان الفلاحين لا يقرأون الصحف. وخرجت
علينا الاذاعة المصرية بأغاني: القمح الليلة الليلة عيده.. يا رب يبارك ويزيده.
وعيد الفلاح يعود الى عام 1961 حين قررت الحكومة المصرية وبمناسبة صدور قانون
الاصلاح الزراعي تحديد يوم 9 سبتمبر، ليكون عيدا للفلاح. ومنذ ذلك التاريخ تغيرت
الحكومات والسياسات والآمال والخطط. حتى جاءت حكومات يجب عليها في الواقع الاحتفال
بمعاداة الفلاح وليس بعيد الفلاح. تغير قانون الاصلاح الزراعي وحل محله قانون 1996
الذي بمقتضاه عادت الكثير من الاراضي لاقطاعييها بأحكام القضاء ولم يعد الفلاح
بالتأكيد على خريطة اهتمامات الدولة المصرية واصبح 'الحيطة المايلة' في مصر. ولكن
الغريب ان عيد الفلاح استمر رغم كل الانواء، النكتة في هذا العيد ان من يحتفل به هو
السيد المحافظ والست الحكومة والسادة كبار المسؤولين وبالطبع السادة مذيعو فقرات
الربط بالاعلام المصري المسموع والمرئي. اما الفلاحون انفسهم فلم يسمعوا عنه اصلا.
وقد سألت العديد من الفلاحين الشباب عن عيدهم، وفوجئت بان كل من سألت لم يسمع ابدا
بوجود هذا العيد، فقط كبار السن ممن حضروا ايام جمال عبدالناصر يتذكرون عيد الفلاح.
اختفت في السنوات الاخيرة كل مظاهر العز البسيطة التي كان الفلاح المصري الفقير
يعتز بها. اختفى الفطير المشلتت والعيش اللين والعيش الردادي والعيش الشماسي ولم
يعد الفلاح يخبز اصلا في منزله، واصبح يقف في طوابير لا نهاية لها امام الافران منذ
الرابعة فجرا حتى يجد رغيفا وفي كثير من الاحيان لا يجد. اختفت عادة تربية الدواجن
من فراخ وبط واوز وارانب بعد استمرار في التربية داخل دور الفلاحين دام آلاف
الاعوام، واصبح الجميع يشتري فراخا بيضاء مصنعة في مفارخ مستوردة، وذلك نتيجة لسبب
بسيط ومنطقي انها ارخص. ولم يعد معظم الفلاحين قادرين على امتلاك حلمهم القديم في
امتلاك جاموسة. فالجاموسة اصبح ثمنها من ثمانية آلاف الى اربعة عشر الف جنيه، ثروة
يصعب امتلاكها. وتعد الجاموسة رمزا للبيت الريفي المصري، فهي تعني بالنسبة له اللبن
والجبن والقشدة والسمن وخدمة الارض. واللبن والجبن وغيرهما كانت ادوات اساسية
للمقايضة مع الغير لاستكمال دورة الحياة. وقد اصبح اليوم من الارخص شراء 'توك
توك' وهو عبارة عن موتوسيكل معدل كعربة صغيرة يستخدم كأداة مواصلات رخيصة وقادرة
على المرور في ادق الطرق واكثرها وعورة، وقد انتشرت في الريف كالنار في الهشيم ولم
يعد الفلاح قادرا على السير لمسافة عشرات الامتار. ولماذا يسير و'توك توك' موجود؟
وهذا 'توك توك' يمثل بحق احد اختراعات بيئة الفقر المصري. اختفى البيت الريفي
المعروف لنا. فأين المنزل بالدوار؟ الحظيرة والفرن البلدي. اين ذهب المكان المفضل
للنوم لدى الفلاح في ليالي الشتاء الباردة والمسمى بالقبة؟ وهو عبارة عن المساحة
التي تعلو الفرن. اين الصالة الفسيحة والمريحة والتي تتشكل كل عام حسب ظروف العائلة
بفضل مادة بنائها اللينة الطيعة من الطوب اللبن؟ اليوم يعيش الفلاح داخل علبة
اسمنتية صغيرة ومتسخة ومبنية في معظم الاحيان من الطوب الاحمر. معظم الفلاحين لا
يعملون فعددهم اكبر بكثير من العدد الذي تحتاجه الاراضي لزراعتها، ويقف هؤلاء في
طابور البطالة اللانهائي منتظرين امام شاشات المقاهي التي تعرض الافلام الخارجة عن
الآداب العامة حتى الفجر، ويستيقظون من نومهم بعد صلاة العصر. اصبح الفلاح يشتري
البيض ومعلبات الجبن حتى اصبح هو الآخر فلاحا معلبا برائحة كانتالوب يوسف والي.
ورغم ارتفاع اسعار المنتجات الزراعية في الآونة الاخيرة بعد ان ادى التضخم دوره
المرسوم له، فإن المنتفعين من جراء الارتفاعات المجنونة في الاسعار كانوا تاجر
التجزئة وتاجر الجملة والحكومة المصرية نفسها التي تشتري القطن وغيره من السلع
الزراعية من الفلاح. اما الوحيد الذي لم ينتفع من غلاء منتجه فهو الزارع الفلاح
نفسه. والكارثة الاكبر ان اسعار الاسمدة التي يعتمد عليها الفلاح قد زاد سعرها نحو
ستين في المائة خلال العامين الاخيرين. ويقدر عدد المزارعين في مصر بنحو عشرين
مليون نسمة يعيشون بمحاذاة نهر النيل بفروعه وقنواته المختلفة، ورغم ذلك يعانون
كلهم مع ارضهم من العطش. اي عيد للفلاح يمكن الاحتفال به في هذه الظروف؟ الم يحن
الوقت لالغاء عيد الفلاح؟
القبس
تعليقات