بين محمد الجبرتي وعبدالله المسعودي.. يشتعل التحدي الشعري حول البادية والحاضرة

الأدب الشعبي

تحليل: رجا القحطاني

2594 مشاهدات 0


الشاعران الراحلان محمد الجبرتي وعبدالله المسعودي من أهل الحجاز هما من كبار شعراء المحاورة "القلطة"، لايختلف اثنان على تميزهما الشديد في فن الارتجال الشعري، وهما صديقان حميمان.

ذات يوم توجه الجبرتي ومعه ابنه من منطقة الجموم إلى منطقة جرول في مكة حيث يسكن صديقه المسعودي بهدف زيارته، وذلك في وقت مبكر من الصباح، فحين طرق الباب لم يجد مجيباً إلا بعد ساعات طويلة حيث مازال المسعودي نائما، وبعد أن  فتح المسعودي الباب ورحب بهما وتناولوا وجبة الإفطار، جرت بينهما هذه المحاورة الشعرية الرائعة التي دوّنها عبدالله ابن الجبرتي آنذاك وذكرها لاحقاً في لقاء تلفزيوني، وكان موضوع المحاورة حول تأخر المسعودي عن فتح الباب، وتضمنت تحديًّا شعريًّا بين الشاعرين في ذكر مزايا البادية والحاضرة.

الجبرتي:
..سلام ردية من اهل البر والبيت الشعَر
لاهل البيوت اللي عليها مقفلة بيبانها
..نشرب حليب ام الحليب اللي تفلّي في الشجر
ماهو حليب اطفال ماتدرون عن حيْوانها

تحليل: جيناكم من البر ياهل المدينة ذات المنازل المقفلة.. ونحن نشرب من حليب الغنم الطبيعي ، بينما تشربون من الحليب المعلب لاتدرون صحة مصدره.

المسعودي:
..يامرحبا وبيوتنا يابدو باسمنت وحجر
بابواب مع  بيبانها  ياتونها  ضيفانها
..ياراعي شاة البر لو تطعم لبن شاة البحر
اللي على الماعون صورة قرنها وآذانها

تحليل: نحن بيوتنا ذات متانة وآمنة، ولاتُدخل الا من خلال أبوابها.. وإن كنت تمدح حليب الشاة عندكم، جرّب شرب الحليب من شاة أهل البحر  التي هذه صورتها على العلبة"الماعون"

الجبرتي:
..حنا ليا جانا المطر نمشي ونرعى في الديَر
وانتم ليا جاكم مطركم خرّبت دكانها
..وضيوفنا يابدو لو ياتون في الليل الخبر
من حيث مادقوا بحلّه ولعت نيرانها

تحليل: نحن البدو اذا نزل المطر نمشي بحرية ونرعى حلالنا في الفيافي الواسعة المعشبة، بينما اذا نزلت عليكم الأمطار قد تخرب بنيانكم ، مفردة "دكانها" دلالة الجزء على الكل.. كما أن ضيوفنا إن حلوا عند أي منزل ليلاً  أُشعلت لهم النيران ،"إشارة إلى الاحتفاء والكرم".

المسعودي:
..حنا ليا جا الليل نوّرنا كما نور  القمر
وانتم ليا جا الليل ظلما ماتشوف اعيانها
..ماشوف في مختلْفة الالوان بدو ولا حضر
واللي بيدها ماتحوشه تلحسه بلسانها

تحليل: نحن أهل المدن تشع منازلنا بالأنوار ليلاً"إشارة إلى وجود الكهرباء" ، وانتم ليلكم دامس فلا ترى فيه "عيون" من يقف أمامك. والبيت الثاني يحتاج إلى التأمل.

الجبرتي:
..الكهرباء ماشي كماها مير مكتوبة خطر
وليا طفت ماتدري الجيران عن جيرانها
حنا نعز الضيف مانقريه من حيد السفر
نقريه باللي في الصحن متثنّيه عصبانها

تحليل: الكهرباء جيدة لكنها مصدر خطر أيضاً كما انها إذا انطفأت يصبح الحي مظلما ولا يرى الجيران بعضهم بعضاً.. ونحن لانكرم ضيفنا "نقريه" من الطعام البسيط، وانما نكرمه بذييحة سمينة.

المسعودي:
..حنا هل البندر كما العنبر لمدلول السفر
مجلوبة التجار  وافي مسكها  ولْبانها
ياما شرينا من حلال البدو غالية المهر
وامسيت تاكل من شحمها بعد اخذْت اثمانها

تحليل: نحن أهل الحاضرة"البندر" مثل العنبر في صفاتنا وهيئاتنا ..كما أنّا لسنا بخلاء إذ نشتري منكم ذبيحة الضيف ذات الثمن الغالي وربما اشتريناها منكم لنكرمك بها كضيف.

الجبرتي:
..أرياحكم عنبر وحنا ريحنا الماس الحمر
اليا وقف ظل السلوقية تحت كرعانها
واسفارنا يالبدو ناخذها على وسق الشفر
ماناخذ من الكيل ولّا وزن من ميزانها

تحليل: إن كانت صفاتكم كالعنبر فصفاتنا كالماس الأكثر لمعاناً والأغلى ثمناً..ونحن معتادون على الأسفار بالسيارة مسافات طويلة لنقضي حوائجنا  "إشارة إلى النشاط ،ولانلازم المدينة مثلكم تأخذون حاجياتكم من الأسواق بسهولة،

المسعودي:
.. في كل ديره حقها من خير ولّا من قشر
وان جت رعية من جهتكم عندنا رعيانها
وان سقت سيارة شكَت منك الحجاره والحفر
من قل عرفك كل ماخربت قعدت اوزانها

تحليل: هنا يحاول الشاعر تخفيف وتيرة الجدال، فكل مجتمع في البادية أو الحاضرة يحمل ايجابيات وسلبيات ، وان جاء أحد من طرفكم إلينا سيجد الرعاية.. ولكن الشاعر يعود إلى التحدي في البيت الثاني في قوله ، سيارتكم في الصحراء تشكو من الطرق الوعرة بما فيها من حجارة وحفر .. وحين تتعطل لاتجد في الصحراء ورشة تصليح فتجلس بجانبها "اوزانها" حائرا.

تعليقات

اكتب تعليقك