وليد الجاسم: الله أكبرُ إنهم عربُ

زاوية الكتاب

كتب وليد الجاسم 840 مشاهدات 0


هاتفي النقال يرن، المتصل الأخ ضاري البعيجان،...«ألووو هلا والله بوحمد... شلونك... مبارك عليك الشهر... شلونك مع الصيام؟»... هذه كانت سوالفنا، ومن بعدها قال لي: «بنروح رحلة قصيرة، أقل من يومين إلى اليمن... نبيكم تشوفون بعيونكم حجم المأساة التي يعيشها النازحون والمتضرّرون من الحرب في اليمن... ثم ندشن حملتنا لجمع التبرعات لبناء قرية متكاملة تكفي لإسكان 564 أسرة منكوبة... كثير منهم أسر أرامل وأيتام وكلهم متضرّرون من الحرب».

صمتُّ قليلاً... وقلتُ لنفسي ولم أقلها له... «من صجك يا ضاري! رمضان ودخل علينا الصيف وبتودينا اليمن حيث الحر والحرب ونقص متطلبات المعيشة!... قلت هذا لنفسي ولكني استحيت أن أقولها لضاري... بل قلت له تم إن شاء الله، أنا معكم.

... كنت في معيّة جمعية السلام للأعمال الإنسانية والخيرية مع صُحبة جميلة مباركة بقيادة الدكتور نبيل العون ومع مجموعة جميلة متنوعة المشارب والأعمال والاهتمامات من الإخوة، ولكن تجمعنا كلنا الإنسانية والانتماء إلى بلد الإنسانية الكويت... ومن المطار إلى الطائرة إلى عدن وفور إنهاء إجراءات الوصول والدخول أخذنا أغراضنا، ومن المطار انطلقنا إلى منطقة في أطراف عدن... وهنا بدأت المأساة... جاءت اللحظات التي لا يمكن أن أنساها.

خرائب لا يسكنها الجن ولكن سكنها البشر... نعم سكنها بشر... عرب أقحاح... أرامل وأيتام ومرضى ومعاقون... الحاجة امتهنت كراماتهم، والفاقة انتهكت إنسانيتهم، الأمراض تفتك بأطفالهم، روائح المجاري بين عشيشهم الخربة تغلغلت في أدمغتهم... الحرب دفعتهم لهذه الظروف... نزحوا من مواطنهم بحثاً عن الأمان، فوجدوا الامتهان الذي - أقسم بالله - لم تجده حتى الأغنام في محاصيرها في الكويت.

لا أبالغ إذا قلت إن غرفة أي خادم في منازلنا في الكويت هي قصر منيف بالنسبة لهؤلاء النازحين... هي أكبر مما يحلمون به اليوم بكثير.

عشيشهم الخربة بلا كهرباء ولا ماء ولا صرف صحي، مكوناتها بعض سكراب الأخشاب المستهلكة المتهالكة وبعض قطع الصفيح الصدئ والكثير من الخرق البالية.. عشش لا تمنع الغبار ولا تصد الرياح ولا تحمي من البرد ولا تخفف من الحر... فقط تستر قليلاً هذا العربي الأبي الأشم الذي أذاقته الحرب ويلاتها وجعلته وهو أصل العروبة ذليلاً منكسراً... فدفع هو وأسرته ثمنها... وكانت نهايته في خرائب تنعق فوقها الغربان السوداء القبيحة التي تنتشر في كل مكان.

مهما وصفت رداءة الحياة وانعدام متطلباتها لن أنجح... فما رأيته لا تصدقه العين ولا يقبله العقل ولا ترضى به الإنسانية.

ولكنها الكويت...

الكويتي مرحّب به في اليمن حيثما ذهب... والكويت - في عيونهم - هي العطاء النقي... العطاء الذي لا ينتظر شيئاً... هي العطاء من أجل العطاء... هي العطاء الحقيقي الصادق... يتذكّرون الكويت دوماً وهي جميلة في عيونهم وعقولهم وذاكرتهم... والكويت التي لم تخذلكم قديماً لن تخذلكم اليوم بالتأكيد.

إنهم عرب

مؤلم جداً أن أرى العربي الأبي الشهم... اليماني والحكمة يمانية، العبقري وعبقر يمنية، أصل العروبة... وأهلها في هذه الحال.

دموع

غالبتني دموعي في كل مرة اقتربت من طفلة أو طفل في عمر أحفادي، كيف يحدث لكم كل هذا في طفولتكم البريئة، لا ذنب لكم في ظروفكم ولكنكم تدفعون ثمنها.

نبيل يا نبيل

الأخ نبيل العون رئيس جمعية السلام للأعمال الإنسانية والخيرية لفت انتباهي في موضعين. الأول، خلال اجتماعنا مع محافظ عدن على مأدبة الإفطار التي أقامها للحضور عندما كلّمه بوضوح بأن يمنع أي تربح على حساب بناء القرية فلا يفرضن أحد على المشروع مقاولاً أو مورداً أو بضاعة أو عاملاً... (نحن ننتقي الأصلح بمعرفتنا)... وجاءه الرد الراقي من المحافظ واعداً بمنع أي شيء من هذا القبيل، ومؤكداً... (ليس على الجواد شروط... أنتم تجودون بمالكم وجهدكم ولن يفرض أحد عليكم شيئاً).

الأمر الثاني...

القرار الفوري الذي اتخذه ونحن في مخيم النازحين بأنهم لن ينتظروا في ظروفهم هذه حتى الانتهاء من بناء القرية الجديدة، بل«سوف نصلح لكم مخيمكم هذا، نقتلعه برمته وننشئ سريعاً مساكن خفيفة موقتة وإنسانية، مزودة بالكهرباء من الطاقة الشمسية، والمياه والصرف الصحي»، معلناً التبرع من جيبه الخاص بخمسة مساكن.

تفطر على بصلة

مثل عربي يقال في اليمن وفي كل العالم العربي يقول (تصوم تصوم وتفطر على بصلة)!... شاهدت تطبيقاً عملياً لهذا المثل بعيني في واحدة من العشيش التي دخلتها حيث كانت الأم تحمل طفلة بشمالها وتحمس بيمينها بصلة وحبة بطاطس مقطّعة قطعاً صغيرة... سألتها: هذا فطوركم؟... فأجابت: نعم. والحمد لله على فضله.

أرحبي يا جنازة فوق الأموات

مثل يمني أتمنى النجاح في قلب معادلته وأن نقول لهم... (أرحبي يا حياة فوق الأحياء).

ختاماً

أهلنا الكرام - أهل اليمن - أعانكم الله، تعلّمت منكم الصبر والرضا بقضاء الله وقدره، والحرص على شكر الله على النعمة والقبول

بـ (حكم الله علينا)... مهما كان هذا الحكم.

تعليقات

اكتب تعليقك