أ. د عبداللطيف بن نخي: حتى لا يفشل قانون المدن الإسكانية كسابقه
زاوية الكتابكتب د. عبد اللطيف بن نخي يناير 2, 2023, 11:08 م 633 مشاهدات 0
من الجميل أن يعمل نوّاب مجلس الأمة في لجان برلمانية تتوافق مع تخصّصاتهم، مثلما هو حال مقرّر لجنة شؤون الإسكان والعقار الدكتور عبدالعزيز الصقعبي الحاصل على شهادة الدكتوراه في العمارة تخصص السياسات العمرانية وتنظيم وتخطيط المدن.
ومن الجميل أيضاً أن توظّف خبراتهم في معالجة مشاكل مزمنة كالأزمة الإسكانية.
ولكن هذا الجمال البرلماني لن يثمر ما لم يُقترن بتبنّي منهجية علمية في معالجة الأزمات، من حيث تحليل أبعاد الأزمة وتقييم المحاولات السابقة والمستجدّة لمعالجتها واستخلاص الخيارات الأمثل لاحتوائها وإنهائها.
لذلك، وبعد تقديم الشكر والتقدير لأعضاء لجنة شؤون الإسكان والعقار في دور الانعقاد الحالي على جهودهم في إعداد التقرير الخاص بمشروع قانون في شأن تأسيس شركات إنشاء مدن ومناطق سكنية، لابد من التأكيد على أن هذا التقرير وما تضمّنه من مشروع قانون دون مستوى الأزمة الإسكانية المتفاقمة، ويرجّح أن يكون مصيره مثل مصير القوانين والمعالجات الفقّاعية السابقة - منذ أواخر القرن الماضي - التي اقتصرت على تحرير الأراضي وتوفير الموارد المالية.
التقرير يفتقر العرض الموضوعي للتشريعات السابقة المتعلقة بتمكين المؤسسة العامة للرعاية السكنية من «تأسيس شركات تتصل بأغراضها أو تساعدها على تحقيقها»، من قبيل القانون رقم (50) لسنة 2010 الذي ألزم المؤسسة تأسيس شركات لإنشاء مدن - لا يقل عددها عن عشر مدن جديدة إلى جانب مدينتي الخيران والمطلاع السكنيّتين - بواقع شركة لكل مدينة، يشارك المواطنون في ملكيتها من خلال اكتتاب عام.
باختصار، التقرير ينقصه بيان أسباب فشل القانون (50) وكيفية تفاديها، خصوصاً إذا عرفنا أن التشابه بينه وبين مشروع القانون الحالي كبير، وصياغة عدد من مقاطع القانونين متطابقة.
كما يعيب التقرير خلوّه من دراسة جدوى وتقييم نماذج السيناريوهات المحتملة عند تطبيق القانون.
فمشروع القانون يُحَمّل الاحتياطي العام للدولة أموال مشتري الوحدات العقارية في حال تعثّر شركات إنشاء المدن، وهو مبدأ مستحق، ولكنه بلا سقف. لذلك يستوجب تخطيط وتقييم سيناريوهات تطبيق القانون من قِبل مكتب استشاري عالمي.
من جهة أخرى، يتجاهل مشروع القانون إشكاليات وأخطاء تنظيمية متعدّدة يعاني منها معظم قاطني مناطق السكن الخاص غير النموذجية، من قبيل قصر واجهات وارتدادات القسائم السكنية وضيق الشوارع الداخلية.
كما يشوب مشروع القانون الغموض تجاه بعض المسائل الحسّاسة والمرفوضة شعبيّاً، إحداها مسألة خصخصة الجمعيّات التعاونية.
وعليه، أدعو اللجنة إلى تحديد الحدود الدنيا لطول واجهات القسائم السكنية وارتداداتها وعرض الشوارع الداخلية والخارجية، وتضمين نص صريح في مشروع القانون في شأن وضع الجمعيات التعاونية في المناطق والمدن المزمع إنشاؤها.
بالرغم من الجهود المضنية للجنة، إلا أن الشواهد تشير إلى أن القانون أعد باستعجال، لأسباب لن أتطرّق إليها هنا.
فمذكرته الإيضاحية - على سبيل المثال - أشبه بمادّة إعلامية لتسويق القانون عوضاً عن وثيقة لتوضيح مواده.
وكذلك مضامين المذكرة غير متّسقة مع نصوص القانون.
فعلى سبيل المثال، المذكرة تنص على توافر مسطحات مائية صناعية وخضراء تجميلية ومرافق ثقافية في المدن المزمع إنشاؤها، ولكن القانون لم يحدد نسبها الدُنى، بل لا يشترط توافرها.
أتفهّم حرص النوّاب على سرعة إقرار مشروع القانون، ولكنّني ما لا أتفهّمه هو إصرار المجلس - في مجمله - على إقراره في مداولته الأولى قبل قياس قدرة وجاهزية الجهات المعنية للقيام بدورها بالسرعة والمعدل المطلوبين لإنشاء المدن الجديدة، بل حتى قبل ورود وجهة نظر وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجدّدة في شأن مشروع القانون... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».
تعليقات