طارق الدرباس: الوداع المشرّف

زاوية الكتاب

كتب طارق الدرباس 475 مشاهدات 0


بعد اعتذار د ..رنا الفارس عن المشاركة في الحكومة، وبعد صدور مرسوم تشكيلها، غرّدت في حسابها عبر «تويتر» بعنوان «شكر وعرفان»، للقيادة السياسية على منحها الثقة في 5 حكومات على مر السنوات الماضية، بالإضافة إلى شكر جميع من عمل معها من قياديين وموظفين.

وما لفت الانتباه هو حجم التفاعل مع تلك التغريدة، التي كانت عبارة عن ردود عفوية تثلج الصدر، فكان أشبه باستفتاء نرى من خلاله كشف حساب للرصيد الذي حصلت عليه بعد سنوات عملها. هذه المحبة هي الحصاد الحقيقي، الذي لا يحصل عليه إلا قلة بعد مغادرة موقع المسؤولية، ومنهم د.رنا الفارس.

اسمحوا لي في هذه السطور، أن أوثق وأدون بعض المواقف وأبرز ما تعلمته من الدكتورة:

بدأت قصتي مع د.رنا الفارس قبل 18 عاما تقريبا في كلية الهندسة والبترول عندما كنت على مقاعد الدراسة، علما بأنني لم أحظ بفرصة أن أكون طالبا في فصولها، ولكن جمعتنا الأنشطة الطلابية، واستمرت العلاقة الطيبة والتواصل إلى ما بعد التخرج.

وعندما تولت حقيبتها الوزارية الأولى، شرفتني باختيارها لي لخوض غمار تجربة العمل في فريقها خلال الثلاث سنوات الماضية، والعمل معها في الوزارات التي تولتها وهي الأشغال والإسكان والبلدية والاتصالات وتحتها عشرات الجهات.

لا شك أن العمل مع وزيرة وطنية مخلصة وجريئة ومجتهدة صاحبة قرار وإنجاز، يعتبر فرصة ذهبية للتدرب والتعلم، ونقطة مشرفة وخبرة ثمينة في مسيرة الإنسان.

فكانت من القلة الذين يدعمون ويثقون ويساندون فريق عملهم، تمنحهم مساحة من الحرية في النقاش والعمل والعطاء.

د.رنا الفارس الوزيرة الإنسانة، قمة في الرقي والتواضع والأخلاق، تستمع للجميع، قلبها قبل بابها مفتوح للمواطنين والمواطنات.

كل من عمل معها يدرك كم هي قريبة من العاملين في جميع الجهات، تحترم وتقدر كل من يجتهد ويعمل، صارمة وحادة ضد كل من يتخاذل ويتعمد تعطيل العمل.

لذلك، عملت بمبدأ الثواب والعقاب، وكانت من أكثر الوزراء في إحالة المتجاوزين بعد التحقيق معهم إلى «نزاهة» والنيابة العامة.

تعلمت منها الالتزام والمسؤولية والمتابعة الحثيثة، والاجتهاد والحرص على الإلمام بأدق تفاصيل الجهات المكلفة بها.

فهي تعشق العمل الميداني بعيدا عن المكاتب وغرف الاجتماعات، تقضي 4 ساعات يوميا من 7 حتى 11 مساء للتجول في مناطق الكويت من شمالها حتى جنوبها، لمتابعة أعمال النظافة والسلامة في المناطق السكنية، عندما تولت حقيبة البلدية، وكان لها حضور ميداني في قضية مساكن العزاب وقطع التيار الكهربائي عنهم.

وخلال توليها حقيبة وزارة الأشغال وخلال جائحة «كورونا» كانت تجول بين العاملين يوميا للإشراف على عمليات فرش الإسفلت بجميع المناطق.

وقد لا يعلم أحد أنها وخلال مواسم الأمطار كانت تواصل أيام عملها في مكتبها بوزارة الأشغال، الذي تحول إلى غرفة عمليات دون العودة للمنزل، حتى كانت تبيت بعض الليالي الممطرة في مكتبها لتتابع مع فرق الطوارئ أعمالهم عن قرب.

وأخيرا تعلمت من الدكتورة أن العمل من أجل الوطن هو أجمل عمل ممكن أن يقوم به الإنسان دون كلل أو ملل، وأن العمل بصمت وهدوء لرفعة وطنك هو الأساس، ودع الإنجاز هو من يتحدث عنك لاحقا.

لذلك، لم أستغرب الوداع المشرف الذي نالته د.رنا الفارس، ولكنني استغربت حجمه وكمّه، خصوصا أننا نشاهد مؤخرا الكثير من المسؤولين الذين يخرجون من المشهد، ويستخسر الناس الثناء عليهم وشكرهم.

عموماً، أشكر الله الذي منحني فرصة خوض هذه التجربة الثرية التي سيكون لها أثر إيجابي في المستقبل

تعليقات

اكتب تعليقك