رائعة الطغرائي.. "لامية العجم"

فن وثقافة

رجا القحطاني 1450 مشاهدات 0


كتب رجا القحطاني

هي قصيدة مشهورة عُرفت بلامية العجم نظمها الشاعر مؤيد الدين الحسين بن علي الطغرائي الأصبهاني المولود سنة 454 والمتوفى سنة 514هجرية،واسم القصيدة بلامية العجم  مستوحي من قصيدة لامية العرب للشاعر الجاهلي الشنفرى نظراً لانتهاء القافية بحرف اللام ، وكذلك لعظم جزالة القصيدتين وشهرتهما لدى متابعي الشعر.أما إلحاق كلمة العجم باللامية  فلأن الشاعر من أهل أصبهان، رغم أنه كناني الأصل.
وكان الطغرائي شاعر الشعراء وأفصح الفصحاء في عصره ، وله مرتبة اجتماعية وسياسية عالية حيث تولى دار الإنشاء في بلاط السلطان محمد بن ملكشاه، وتولى الوزارة مدة من الزمن ،وهو ممن امتلكوا أكثر من موهبه ، فبالإضافة إلى تميزه في نظم الشعر والنثر كان عالماً ،وله كتاب "حقائق الاستشهاد في الكيمياء" وكتاب "الرد على ابن سيناء في الكيمياء " وغيرها.
إلا أن نهاية الطغرائي كانت مأساوية حيث قتله السلطان محمود السلجوقي بعد انتصاره على أخيه السلطان مسعود الذي كان الطغرائي من حاشيته ،ويبدو أن الحكام الظالمين في زمن الطغرائي لايختلفون عن الظالمين في هذا الزمن ، إذ لايتورعون عن قتل الأدباء والعلماء الذين يخدمون الأمة لأدنى شبهة وأهون سبب.
أما لامية الطغرائي  والتي نظمها 505 هـ ،فهي من عيون الشعر العربي وتتضمن المقولة المتداولة بين الناس وهي شطر من بيت"ماأضيق العيش لولا فسحة الأمل، وفي قصيدته الرائعة يصف  الطغرائي حاله  ، ويعبر عن آماله وآلامه ،ويشكو من تقريب الجهلاء وإبعاد النبهاء ،ويتذمر من أحوال الدنيا وتقلباتها:


أصالةُ الرأي صانتني عن الخطلِ
وحليةُ الفضلِ زانتني لدى العَطَلِ

مجدي أخيراً ومجدي أولاً شَرعٌ
والشمسُ رَأدَ الضحى كالشمس في الطفَلِ

فيم  الإقامةُ  بالزوراءِ  لا سَكنِي
بها ولا ناقتي فيها ولا جملي

ناءٍ عن الأهلِ صِفر الكف مُنفردٌ
كالسيفِ عُرِّي مَتناه عن الخللِ

فلا صديقَ إليه مشتكى حَزَني
ولا أنيسَ إليه مُنتهى جذَلي

أريدُ بسطةَ كفٍ أستعين بها
على قضاء حقوقٍ للعلى قِبَلي

والدهر يعكس آمالي ويُقنعني
من الغنيمة بعد الكدِّ بالقفلِ

تنامُ عيني وعين النجم ساهرةٌ
وتستحيل وصبغ الليل لم يحُلِ

فهل تعينُ على غيٍ همتُ  به
والغي يزجر أحياناً عن الفشلِ

إني أريدُ طروقَ الحي من إضمٍ
وقد حماهُ  رماةٌ من بني  ثُعلِ

لا أكرهُ الطعنة النجلاء قد شفِعت
برشقةٍ من نبال  الأعين  النُّجلِ

ولا أهاب الصفاح البيض تُسعدني
باللمح من خلل الأستار والكللِ

حبُّ السلامةِ  يثني هم  صاحبهِ
عن المعالي ويغري المرء بالكسلِ

فإن  جنحتَ  إليه  فاتخذ  نفقاً
في الأرض أو سلماً في الجوِّ فاعتزلِ

ودع غمار العُلا للمقدمين على
ركوبها  واقتنعْ  منهن  بالبللِ

يرضى الذليلُ بخفض العيشِ مسكنهُ
والعِزُّ عند رسيم  الأينق  الذّلُلِ

فادرأ بها في نحور البيد جافِلةً
معارضات مثاني اللُّجم بالجدلِ

إن العلا حدثتني وهي صادقة
فيما تُحدثُ أن العز في النقلِ

لو أن في شرف المأوى بلوغَ منىً
لم تبرح الشمسُ يوماً دارة الحملِ

أهبتُ بالحظِ لو ناديتُ مستمعاً
والحظُ عني بالجهالِ في شُغلِ

لعله  إن بدا  فضلي  ونَقْصهمُ
لِعينه  نام عنهم  أو  تنبه لي

أعللُ  النفس  بالآمال  أرقبها
ما أضيق العيش لولا فُسحة الأمل

لم أرتضِ العيشَ والأيام مقبلةٌ
فكيف أرضى وقد ولت على عجلِ

وعادة السيف أن يزهى بجوهرهِ
وليس  يعملُ  إلا في  يديْ بطلِ

ماكنتُ أوثرُ أن يمتد بي زمني
حتى أرى دولة الأوغاد والسفلِ

تقدمتني  أناسٌ  كان  شوطُهمُ
وراءَ خطويَ لو أمشي على مهلِ

هذا جزاء امرىءٍ أقرانهُ درجوا
من قبلهِ فتمنى فسحةَ الأجَلِ

فإن علاني من دوني فلا عَجبٌ
لي أسوةٌ بانحطاط الشمسِ عن زُحلِ

فاصبر لها غير محتالٍ ولا ضَجِرِ
في حادث الدهر ما يُغني عن الحِيلِ

أعدى  عدوك  من  وثِقتْ  به
فحاذر الناس واصحبهم على دخلِ

فإنما  رُجل  الدنيا  وواحدها
من لايعوِّلُ في الدنيا على رجلِ

وحُسن  ظنك  بالأيام  معجزَةٌ
فَظنَّ شراً وكن منها على وجَلِ

غاض الوفاءُ وفاض الغدر وانفرجت
مسافة الخُلفِ بين القوْل والعملِ

وشان صدقكَ عند الناس كذبهم
وهلْ  يُطابق  مِعْوجٌ  بمعتدلِ

إن كان ينجع شيءٌ في ثباتهمُ
على العهود فسبق السيف للعذلِ

يا وراداً  سُؤر عيش  كلُّه كدرٌ
أنفقت صفوك في أيامك الأول

فيم اقتحامك لجَّ البحر تركبهُ
وأنت تكفيك منهُ مصة الوشلِ

مُلكُ القناعةِ لا يُخشى عليه ولا
يُحتاجُ فيه إلى الأنصار والخَولِ

ترجو البقاء بدارٍ لاثبات بها
فهل سمعت بظلٍ غير منتقلِ

ويا  خبيراً  على  الإسرار  مطلعاً
اصمتْ ففي الصمت منجاةٌ من الزللِ

قد رشحوك  لأمرٍ  إن فطٍنتَ له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ


** وضع التواريخ بالاستعانه بكتاب "معجم الأدباء"

تعليقات

اكتب تعليقك