د.محمد الرميحي: قيادات مرفّهة و فقراء يموتون!
زاوية الكتابكتب د. محمد الرميحي أغسطس 9, 2022, 6:12 م 415 مشاهدات 0
مع إعلان الهدنة بعدما قُتل عدد من الفلسطينيين من دون نتيجة تُذكر، نعود من جديد إلى دورة من فقد البوصلة (تحريك ثم هدنة... وهكذا،) وفقط يفقد الفلسطيني في غزة حياته، وهي أصلاً حياة "تصعب على الكافر" كما يقول المثل الشعبي. حقيقة افتقدت العد في الصدامات بين إسرائيل وفصيل ما في غزة. فصائل عديدة لها ولاءات مختلفة تقرر هي منفردة، لا مع غيرها، لأسباب ليست بالضرورة خاصة بفلسطين، متى تفتح النار ومتى تصل إلى "تسوية"، أما من يدفع الثمن الباهظ في الأرواح وأيضاً فرص العمل والحياة فهم فلسطينيون لا يُستشارون في ما يحدث لهم من دمار.
يقال للبسطاء والسذج إن هناك عدداً من الصواريخ أرسلت إلى مناطق إسرائيلية قريبة أو بعيدة من غزة، ولكن لا يقال لأحد ماذا أصابت وما كانت نتائجها، معظمها إما سقط في أرض خلاء أو فجر قبل أن يصل إلى هدفه، تلك الصواريخ لها تأثير نفسي ومعنوي لمطلقها يفوق تأثيرها في الأرض، ويطرب بعض العرب للقول إن "حركة الجهاد" تمطر تل أبيب بالصواريخ! ولكن الموت فقط من نصيب الفلسطينيين العزل.
استمعت إلى متحدث عن "الجهاد الإسلامي"، وهي المجموعة التي حركت الجولة الحالية (ولن تكون الأخيرة) يقول إن "العرب متقاعسون، وليس معنا إلا إيران وحزب الله وأنصار الله في اليمن"! بصرف النظر عن التجاهل المتعمد لعدد من الدول العربية التي قدمت وما زالت تقدم العون، منها مصر التي يتوسط قادتها لإنقاذ أرواح الفلسطينيين في غزة، أو المملكة العربية السعودية أو قطر أو الكويت أو الإمارات، وعدد من الدول العربية التي قدمت ولا تزال أشكالاً من العون لفلسطين من دون منة... تجاهل تلك الدول والشعوب شيء، والقول إن إيران أو "أنصار الله" أو "حزب الله" تقدم شيئاً ولو ضئيلاً لفلسطين هو قريب إلى الافتراء على الحقائق، وأيضاً عمى سياسي منقطع النظير، فليس في العالم حركة تحرير إلا واجتهدت ليكون لها مناصرون وحلفاء، وكلما كانت تلك الدول الحليفة قوية ومرهوبة ومتنفذة ولها صوت مسموع في المحافل الدولية، كان ذلك أفضل.
المثال ليس بعيداً، فيجمع كل من أرّخوا لنشوء دولة إسرائيل على إنه لولا بريطانيا ومعها الولايات المتحدة لما عرف العالم دولة باسم إسرائيل! أما أن تتحالف مع منظمات يصفها العالم إرهابية ودول هي في نظر العالم منبوذة، فذلك هو غياب شمس الحكمة في أجلى معانيه، وعندما احتاجت المعركة أن تدلف إلى مجلس الأمن لم يكن هناك غير الإمارات التي مررت طلب المندوب الفلسطيني لاجتماع المجلس!
رئيس "حركة الجهاد" كان عند اندلاع الصراع الأخير في طهران، ما يشي بأن قرار فتح النار هو قرار تفاوضي بين إيران والغرب وليس لمصلحة الفلسطيني.
لا خلاف على مظلومية الفلسطينيين، الخلاف على منهج المقاومة وطريقها. والذي يقرأ الساحة الدولية بحصافة ومنهج علمي يعرف أن هناك طريقين للنضال من أجل فلسطين، الطريق السياسي الذي تتبعه السلطة الفلسطينية من خلال مقاومة منظمة منخفضة الصراع المحسوب بشكل أدق لتوازن القوى على الساحة، يجاوره صراع سياسي على كل المستويات، هذان الجناحان المعتمدان يعنيان قراءة صحيحة للواقع العالمي وتفاعلاته، في الوقت نفسه يحفظ للفلسطيني في الضفة حداً أدنى من العيش وخدمات اجتماعية معقولة تساعده على الصمود.
وهناك الطريق الآخر وهو تصنيع صواريخ لا تؤذي في الغالب أحداً، وفي المقابل تدك إسرائيل البنية التحتية المتهاوية لغزة، وتقصف المنازل، وكلما تم البناء تسلطت مجموعة وأشعلت الصراع المسلح من دون أي حسابات تذكر لمصلحة الناس، وترتفع البطالة في غزة وتزداد نسبة انتحار الشباب الفاقدي الأمل في المستقبل، وينتشر الفقر والعوز، مع تسلط على الناس وكتم آرائهم.
فقط قلة متنفذة من تلك الجماعات تكتم أنفاس الغزاويين وتهمشهم إنسانياً وسياسياً، وفي الوقت نفسه تتمتع هذه القلة بكل الامتيازات، وبعض تلك القيادة تعيش في الخارج في منازل فارهة، ويذهب أبناؤها إلى أفضل المدارس والجامعات، وعملهم الأساس هو بيع الأوهام للعامة. هذه المعادلة يجب أن يُرفع الصوت ضدها مهما كان التوجه الشعبوي يتطلب، لأن ظلم الأقرب هو الأقدح والأكثر ظلماً من أن يعرّض الناس إلى القتل بين فترة وأخرى من دون درع حام، لأن أحدهم قرر ذلك، من دون أن يكون هناك هدف وطني أو حساب الربح والخسارة، وفقط لتحويل غزة ساحة تفاوض لمصالح دولة أخرى.
العملية الأخيرة استهدفت أحد قادة "الجهاد" في شقته، يعني لمن يريد أن يعرف أن الجانب الإسرائيلي يملك من المعلومات على الأرض ما يستطيع به أن يحدد من يسكن وأين وكيف يتنقل ومن يجاور؟ وإن دققنا في هذه الجزئية نصل إلى أن الحرب، أي حرب، تعتمد في جانب كبير منها على المعلومة، وآخر ما يحترم لدى بعض الفصائل هو المعلومة العلمية الموثقة، فكل ما لدى كثير منهم هو الصوت العالي وأوهام النصر.
المعضلة في الثقافة السياسية العربية المختطفة من المزايدات التي ظهرت في آخر جولة من الصراع بقول الناطق الإيراني باسم الحرس الثوري: "قربت نهاية إسرائيل"! لقد سمعنا هذا الكلام من قبل وأوصلنا إلى الكارثة. تُرى كم كارثة يجب أن تمر علينا حتى نتعلم؟
تعليقات