أحمد الصراف: الآخرون.. وعزرا زيلخا
زاوية الكتابكتب أحمد الصراف نوفمبر 8, 2021, 10:22 م 407 مشاهدات 0
استمعت لمقابلة مع عزرا خدوري زيلخا، المصرفي العراقي اليهودي المعروف، تعود لما قبل ست سنوات، قبل وفاته بسنتين أو ثلاث، تطرق فيها لأمور مؤسفة، تدعو للتفكير في مصير مجموعات عدة تعيش في الدول العربية منذ قرون، وتكون أحيانا هي الأصل، والطارئون هم الأغلبية، ومع هذا عُوملوا بطريقة مهينة ومختلفة، فقط لأنهم مختلفون في العرق أو الدين أو المذهب عن السواد الأعظم، وبعُرف البعض كان ذلك كافيا لرميهم خارج الحدود، متى شاءت السلطات ذلك!
***
يقول عزرا: ولدت عام 1925 لأسرة ميسورة يعمل معيلها مصرفيا، بل المصرفي الأشهر في العالم العربي، حيث كانت له فروع في مصر ولبنان وسوريا، والعراق! (ولا أعتقد أن مرجعا عربيا يمكن أن يعترف له بذلك بالرغم من صحته، فهو في النهاية.. يهودي).
ويقول عزرا: لغتي الأم هي «العربية»، فأصول أسرتي تعود ربما لأيام السبي البابلي، ولا أزال أتكلم العربية، وكنت أكتب وأقرأ بها.
تعلمت في لبنان، وبعدها في مصر قبل أن ترسلني العائلة لمعهد في أميركا، وكان ذلك خلال الحرب العالمية الثانية، لمعالجة «التأتأة»، التي كنت أعاني منها. وأكملت دراستي بعدها هناك.
عملت مصرفيا متدربا في بنك أمروز في لندن، وبعدها أُرسلت إلى هونغ كونغ للتدرب على التعاملات في الذهب.
بسبب قلة يهود المنطقة فإن غالبية زملائي وأصدقائي كانوا مسلمين ومسيحيين، ولم يشعرني ذلك بالفرق يوما، سواء في العراق أو لبنان أو مصر. وعندما أكون مع أصدقائي العرب أشعر أنني في بيتي I feel very much at home.. نعم أنا يهودي، ولكنني عربي، وهذا شعور قوي لدي.
بعد انتهاء الحرب عادت أسرتي إلى العراق، ولكن والدي لم يكن مطمئنا للوضع، وأخبرنا عام 1946 أن ممتلكاتنا قد تُصادر.
***
عاد عزرا، للمرة الثالثة، ليؤكد بصدق وبعاطفة جياشة: أنا عراقي، وهذا يعني لي الكثير، فأنا أتكلم العربية حسب اللهجة البغدادية، ولي الشرف أن أكون من يهود بغداد، وربما أكون من الجيل الأخير، فقد توفي جميع من ترك العراق من أهلي.
***
تأثرت كثيرا بكلام عزرا، الرجل اليهودي التسعيني، وحنينه لوطنه ورفاقه، وحبه لتراثه ولغته وثقافته العربية، وإصراره على الاحتفاظ بذلك الحب بين ضلوعه، حتى وهو في أواخر أيام حياته!
أحسست، وأنا أستمع له، بصدق مشاعره، وصدق حنينه لوطنه، الذي أُجبر على تركه. هو ليس بحاجة لتملق أحد كونه شخصية عالمية غير عادية بخبراته المصرفية والتجارية، ورئاسته لعدة شركات، وأعماله الخيرية الواسعة، خاصة في دعم التعليم والفنون والمعاقين (بعيدا عن حفر الآبار وتوظيف الدعاة).
***
من كلام عزرا، وكل هذا الشحن الطائفي والعنصري الذي نعيشه، أتمنى أن نحافظ على المواطن الصالح، وألا نأخذ الكل بجريرة البعض، وألا نفرط بأمثال عزرا، وبيننا منهم الكثير، ومن أصحاب الخبرات والنفوس الكبيرة، وأن تسعى الحكومة لخلق المواطن المحب والمخلص لوطنه، وهذا لا يتحقق إلا بمنهج وطني عصري، وحكومة نظيفة وقوية.
تعليقات