محمد المقاطع: إن إدراكنا أن سر قوتنا في مرجعيتنا الدستورية ينبغي أن يكون حاضراً في كل الأوقات وكلما تجددت الحوارات الوطنية ينبغي ألا تنسينا خلافاتنا هذه الوثيقة التعاقديّة
زاوية الكتابكتب د. محمد المقاطع نوفمبر 10, 2020, 11:01 م 300 مشاهدات 0
اليوم ذكرى مهمة، ألا وهي ذكرى صدور الدستور الكويتي، والذي اكتست به الكويت وثيقة ميلادها القانوني، وهو الذي قدم البلد دولة عصرية بدلاً من المشيخة العشائرية، متذكرين جميعاً حكاماً ومحكومين حقيقتين، أولاهما الاستقلال الذي كُتِب به ميلاد الكويت العصرية الراسخة بثوابتها الوطنية، ممثلة بأسرة حكم جاءت برضائية أصيلة فتجذر الحب والولاء، تكملها شورى مؤسسية (مجلس منتخب للأمة) تولى من خلالها الشعب المشاركة في إدارة شؤون الدولة وتوجيهها، ومن حسن طالعنا كشعب أن تجسد تلك الثوابت بوثيقة دستورية توافقية تعاقدية لتعبر عن نضج الكويتيين، حكاماً ومحكومين، ولعل ما تجسده المادتان الرابعة والسادسة من الدستور يمثل عمق التعاقد الاجتماعي بتكريس تلك الثوابت وصيانتها.
ثانيتهما أن المرجعية الدستورية الممثلة بهذه الوثيقة كانت هي دوماً طوق النجاة للبلد، حينما تشتد الأحوال وتأتي الأزمات، فهي كانت السند لتخليص الكويت من أطماع قاسم، ثم كانت سنداً للتحرر من براثن احتلال عراقي صدامي حاقد كان يتم تغذيته منذ ميلاد الكويت باستقلالها عام ١٩٦٢، وهي محنة عبرها الوطن بفضل من الله عز وجل، وبالتماسك الفريد لأهل الكويت حكاماً ومحكومين، فسطروا ملحمة في الذود عن شرعيتهم، والتقى الكويتيون على صعيد واحد في مؤتمر جدة، لتعاد للأذهان صورة الرضائية بين الأسرة والشعب، قاسمها تأكيد متجدد على المرجعية الدستورية في استعادة الوطن والحفاظ على ثوابته والانطلاق لإعادة بنائه.
ثم أتت أزمة انتقال الحكم والسلطة عام ٢٠٠٦ وظروفها الدقيقة، ليظهر الكويتيون مرة أخرى أنهم، حكاماً ومحكومين، يلوذون جميعاً بالتسليم لمرجعيتهم الدستورية، لتكون هي الفيصل، وفعلاً كان ذلك سنداً بسلاسة انتقال الحكم بتولية الأمير بصورة مباشرة. واستمرت سلاسة تولية ولي العهد عام ٢٠٢٠ باتباع أحكام الدستور وإجراءاته ليكون ركيزة وطنية مستقرة.
إن إدراكنا أن سر قوتنا في مرجعيتنا الدستورية ينبغي أن يكون حاضراً في كل الأوقات، وكلما تجددت الحوارات الوطنية ينبغي ألا تنسينا خلافاتنا هذه الوثيقة التعاقديّة، وها نحن نشهد كيف أنها حُكّمت في موضوعات عديدة، تسليماً بمرجعيتها. وتكمن حيوية إدراكنا لذلك في أن يذكّر بعضُنا بعضاً بما يعنيه ذلك لنا جميعاً، خصوصاً أن شواهده التاريخية والوطنية حاضرة بيننا، ولقد بات التذكير بكل ذلك أكثر إلحاحاً ووجوباً هذه الأيام، فقد تغلغلت إلى بلدنا مظاهر وممارسات هدَف من خلالها البعض إلى اقتلاعنا من تلك الجذور الراسخة والثوابت المتأصلة، لتهميش مرجعيتنا الدستورية أو إفراغها من مضامينها، ولعله أمر ملح أن نذكّر اليوم بعدم جواز الجمع بين ولاية العهد ورئاسة الوزراء دستورياً، لتناقض الجمع مع طبيعة المنصبين واختصاصاتهما ومسؤولياتهما.
ولاشك لدي أن هناك أطرافاً متضررة من توازن الدستور وأحكامه، وتدرك عدم قدرتها على العيش في كنفه، وهذا البعض وضع البلد في ذهنه كفرصة تجارية وضربة حظ سياسية، فحاد عن الطريق وتنكر للثوابت، فصارت منطلقاته في العمل الوطني بكل أسف، حسابه لمصالحه التي تتنكب عن مسارات المصلحة الوطنية، فسارع إلى تقديم الرأي الأناني والخاطئ وشغلته خصوماته وتطلعاته ومصالحه عن الوطن، وزاد من حظوة هذا البعض وهن تكوين مجلس الأمة وضعف الحكومة، ليكون ذلك مظهراً إضافياً في تراجع مسيرة الوطن، وقد تمت الاستفادة من الصراع السياسي ليعزز ذلك البعض مواقعه وتأثيره على مستويات عديدة، لكن ثقتنا كبيرة بالله وبقيادتنا السياسية وحكمتها وحنكتها في تجنيب البلد عوادي الأيام، وتخطي ذلك البعض لتكريس الثوابت الوطنية والدستورية.
إن مناسبة صدور الدستور تستحق أن تكون مناسبة لإعادة البهجة إلى أهل الكويت، ولعل طَي صفحات وأحداث الماضي القريب بات ضرورة، لإحداث نقلة وطنية، تمسكاً بحقيقة الثوابت الدستورية التي حفظت البلد، ولعل المصالحة الوطنية وتعزيز أجواء الحريات وبتر بؤر الفساد وفضح استخدام المال السياسي وإقصاء الفاسدين، وصدور قانون العفو العام بالمجلس القادم وتعديل قانون الدوائر الانتخابية بشكل عادل، هي ما يواكب متطلبات استحقاقات الوطن في ذكرى صدور الدستور.
تعليقات