جاسم خالد السعدون: تحول الفساد الحكومي إلى وباء غير محتمل لخصته وزيرة الأشغال في جملة واحدة بان الفساد إنتصر على قاعة "عبدالله السالم"
زاوية الكتاب
ترجح المصادر التاريخية بان ولادة لعبة الشطرنج كانت في الهند قبل نحو 1500 سنة ، ولعبة الشطرنج تتمحور حول الملك ، فالجنود والفرسان والبيادق والفيلة والقلاع والوزير او الملكة كلها يتم التضحية بها دفاعاً عن الملك .
في ذلك الزمن ، كان الملك هو الدولة ، والدولة تسقط بسقوط الملك ، وعندما تبلغ اللعبة مرحلة إنكشاف الملك بعد التضحية بكل دفاعاته ، أي تنتهي خيارات بقاء الملك ، تنتهي اللعبة بجملة " كش ملك " .
في وقتنا الحاضر ، وفي معظم دول العالم ، لم يعد الشطرنج سوى لعبة ذكية ، ليس لها إسقاطات على الواقع ، لها بطولة على مستوى العالم ، ويفوز أخر المتنافسين وهم من دول مختلفة ، عندما ينطق بجملة " كش ملك " بعد تفوقه في عدد المباريات التي فاز فيها على أخر خصومه على أرض الواقع ، إستبدل العنف وإستهلاك الموارد البشرية و غيرها للإبقاء على الملك بحكم القانون ، وبات يكفي لبلوغ مرحلة " كش ملك " صندوق إنتخابات ، أي قانون إنتخاب صارم ، ويكفي قانون لإيداعه السجن حال فساده .
في الكويت ، وللأسف الشديد ، أصبح رئيس الوزراء ملك ، وبعض وزراء السيادة ، وحتى غيرهم ، ملوك ، وأصبح الأصل هو التضحية بكل شيء من أجل إستمرارهم ، وإرهاصات تغيير الحكومة الأخيرة مثال صارخ على أن الكويت تخلفت عما كان عليه حال الهند قبل 15 قرن .
عند تغيير رئيس الوزراء الأسبق ، إحتاج الأمر إلى إيداعات وتحويلات فاسدة تبعها إستقالة نائب رئيس وزراء سابق وحراك شعبي فاق عدد المشاركين فيه المائة ألف ، حتى بلغنا مرحلة " كش ملك " ، ولم يسلم بعدها من شارك في ذلك الحراك .
وشكل رئيس الوزراء السابق سبع حكومات ، خلال فترة إدارتها بلغت الكويت الدرك الأسفل في مدركات الفساد الذي طال للأسف مرفق أمنها الداخلي ، ومرفق أمنها الخارجي - الدفاع ، وحتي سرقت ملفات القضاء ، والثلاثة هم سند أمن الوطن والمواطن .
وبلغ كلاً من التعليم والخدمات الصحية أدنى مستوياتهما وبلغ فسادهما تزوير شهادات التعليم على نطاق واسع ، والرشوة بخدمات العلاج السياحي بالخارج وفساد مكاتبه . وبلغت تكلفة البنى التحتية الأعلى في العالم ، وجودتها الأدنى ، ومن دون إطالة ، كانت حكومات عاجزة عن حتى وقف سرقة تسميات الشوارع .
وفي عهدها ، لم يكن الدستور محترم ، ولا القوانين محترمة ، وإنما سنت سابقة بالحفاظ على تحصينها بسن قوانين جائرة ، ولم يعد حتى الحرام والحلال مقياس ، وسقط الحياء ، فلم يعد له قيمة ، وأصبح مرتشون بإعترافات في مضابط تحقيقات النيابة العامة ، قيادات في لجان حماية الأموال العامة ولجان التحقيق في قضايا فساد ، بلغوا مناصبهم بترجيح من أصوات أغلبية حكومية ونيابية.
" كش ملك " لتلك الحكومة الأخيرة لم يكن مصدره مؤامرة حراك أو معارضة خائنة ، هدفهما قلب نظام الحكم ، وهي تهمة باطلة كتبت في دحضها إبان الحراك في مقالة تحت عنوان " المؤامرة والعقاب " ، وإنما جاء من الحكومة نفسها .
جاء بعد أن تحول الفساد الحكومي إلى وباء غير محتمل ، لخصته وزيرة الأشغال في جملة واحدة ، بان الفساد إنتصر على قاعة " عبدالله السالم " وباتت مواجهة الفساد والفاسدين مستحيلة .
" كش ملك " جاءت من النائب الأول لرئيس الوزراء الشيخ ناصر صباح الأحمد " ، الذي إنتظر نتائج تحقيق لجنة حكومية ، ووجد في النتائج ما لا يحتمل الصبر أو التسويف ، وقدم بلاغه للنائب العام ليس الغرض من كل ما ذكر عاليه زيادة آلام الناس ، فكل ما ذكرت سبق ذكره وتداوله ، ولكنه كان مقدمة ضرورية لما سوف يأتي ، فكل ما تقدم هو داء له سبب ، ومادام داء فلابد في المساهمة في البحث عن دواء له .
ومبرر الكتابة في الموضوع هو التشكيل الوزاري القادم ، فالداء في تقديري يكمن فيه ، وحتى لا يصبح الرئيس المكلف ملك جديد ، وذلك ليس في مصلحته أو مصلحة البلد ، لابد من توصيف لداء التشكيل لعل النهج القديم لا يتكرر .
تخلفت الكويت بشكل متصل على مدى نحو نصف قرن من الزمن ، سبب التخلف في تقديري كان الخلط بين الإدارة والحكم ، ووسيلته هو نهج تشكيل الوزارة والذي يتم على ثلاث مراحل ، أخطرها هي المرحلة الأولى التي تهيئ للمرحلة الثانية الخطرة أيضاً .
مرحلة التشكيل الوزاري الأولى تبدأ بعد تكليف رئيس الوزراء مباشرة ، وهنا يبدأ الخلط بين الحكم والإدارة ، فالبحث في صلب التشكيل يبدأ بذكور الأسرة الحاكمة لتوليتهم ما يسمى بوزارات السيادة في بلد ينص دستوره صراحة على سيادة الأمة وليس سيادة الأسرة .
ذلك يخلق إمتيازات جينية غير مستحقة ، وإلى جانب أنه معيار لا يأتي بالأفضل ولا الأكثر قبولاً شعبياً ، يخلق معضلتين في غاية الخطورة المعضلة المعضلة الأولى ، هي خلق نزاعات وأطماع داخل الأسرة ، وهي نزاعات متصلة سببت إهدار كل القوانين بما فيها قانون الجنسية من أجل شراء ولاءات تمتد إلى مخرجات الإنتخابات النيابية ، وإلى إهداء المناصب للتابعين ، وإلى التقاضي عن الفساد من أجل شراء الولاءات .
المعضلة الثانية ، هي المحاصصة وتبدأ معها مرحلة التشكيل الوزاري الثانية ، فمادامت معايير اختيار صلب التشكيل هي الجينات ، لابد من شراء ولاءات العوائل والقبائل والطوائف .
وخطورة إنتشارها السرطاني هي في توزيع كل مناصب الدولة الأخرى ، قيادية وما دونها ، وفق نفس نظام المحاصصة ، وتلك في النهاية هي قيادات الدولة الإدارية ، ومعها تدهورت الإنتاجية وساد فساد الذمم على نطاق واسع .
ثم تأتي المرحلة الثالثة للتشكيل الوزاري ، وهي تجميلية ، فالتشكيل بمرحلتيه الأولى والثانية منتج أو بضاعة يصعب تسويقها ، ولابد من تطعيمها بثلاثة أو أربعة وزراء يتمتعون بالحرفية والصدقية ، ولكنه إختيار صوري ، لا يلبث أن يكتشف الوزير بعدها بأنه مجرد غلاف زاهي أو علبة جميلة لمحتوى خارب .
وحتى وزراء المرحلة الثالثة ، بات من الصعب إقناع أفضلهم بعد الوعي بمصيرهم ، فخيارهم وفق تجارب الماضي ، إما الإنخراط في الخراب ، أو الباب يوسع جمل مع أول تعديل وزاري .
رغم ذلك ، ظل من واجبنا تجاه البلد الا نفقد الأمل مهما بلغت درجة إحباطنا ، ولكنه أمل ليس مطلق ، ولابد له من أدوات قياس مبكر تحكم تفاؤلنا وتشاؤمنا ، تلك الأدوات هي مراقبة نهج التشكيل الجديد القادم قريباً .
فإن إقتنع الرئيس المكلف بأنه ليس " ملك " وإنما رئيس مجلس إدارة البلد ، وأن أفراد الأسرة الحاكمة حظوظهم وفرصهم حظوظ المواطنة وليست حظوظ سيادة ، سوف نبلغ مرحلة " طبنا وغدا الشر " وإن بات طريقها شاقاً .
والعكس هو الصحيح ، إن إنحاز الرئيس المكلف لنهج الداء القديم في التشكيل الجديد ، وهو نهج يحمل آلية تلقائية لإستهلاك موارد ودستور وقوانين وقيم البلد من أجل ديمومة الإدارة ، أو نهج من " صادها عشا عياله " ، فبعد سنوات قادمة لا يمكن تعويضها ، لن يكون الكش ملك " أي نفع أو فائدة ، فأوان الإصلاح حينها قد فات .
تعليقات