‫جاسم خالد السعدون: تحول الفساد الحكومي إلى وباء غير محتمل لخصته وزيرة الأشغال في جملة واحدة بان الفساد إنتصر على قاعة "عبدالله السالم"‬

زاوية الكتاب

كتب الآن 3676 مشاهدات 0





‫ترجح المصادر التاريخية بان ولادة لعبة الشطرنج كانت في الهند قبل نحو 1500 سنة ، ولعبة الشطرنج تتمحور حول الملك ، فالجنود والفرسان والبيادق والفيلة والقلاع والوزير او الملكة كلها يتم التضحية بها دفاعاً عن الملك . ‬

‫في ذلك الزمن ، كان الملك هو الدولة ، والدولة تسقط بسقوط الملك ، وعندما تبلغ اللعبة مرحلة إنكشاف الملك بعد التضحية بكل دفاعاته ، أي تنتهي خيارات بقاء الملك ، تنتهي اللعبة بجملة " كش ملك " . ‬

‫في وقتنا الحاضر ، وفي معظم دول العالم ، لم يعد الشطرنج سوى لعبة ذكية ، ليس لها إسقاطات على الواقع ، لها بطولة على مستوى العالم ، ويفوز أخر المتنافسين وهم من دول مختلفة ، عندما ينطق بجملة " كش ملك " بعد تفوقه في عدد المباريات التي فاز فيها على أخر خصومه على أرض الواقع ، إستبدل العنف وإستهلاك الموارد البشرية و غيرها للإبقاء على الملك بحكم القانون ، وبات يكفي لبلوغ مرحلة " كش ملك " صندوق إنتخابات ، أي قانون إنتخاب صارم ، ويكفي قانون لإيداعه السجن حال فساده . ‬

‫في الكويت ، وللأسف الشديد ، أصبح رئيس الوزراء ملك ، وبعض وزراء السيادة ، وحتى غيرهم ، ملوك ، وأصبح الأصل هو التضحية بكل شيء من أجل إستمرارهم ، وإرهاصات تغيير الحكومة الأخيرة مثال صارخ على أن الكويت تخلفت عما كان عليه حال الهند قبل 15 قرن . ‬

‫عند تغيير رئيس الوزراء الأسبق ، إحتاج الأمر إلى إيداعات وتحويلات فاسدة تبعها إستقالة نائب رئيس وزراء سابق وحراك شعبي فاق عدد المشاركين فيه المائة ألف ، حتى بلغنا مرحلة " كش ملك " ، ولم يسلم بعدها من شارك في ذلك الحراك . ‬

‫وشكل رئيس الوزراء السابق سبع حكومات ، خلال فترة إدارتها بلغت الكويت الدرك الأسفل في مدركات الفساد الذي طال للأسف مرفق أمنها الداخلي ، ومرفق أمنها الخارجي - الدفاع ، وحتي سرقت ملفات القضاء ، والثلاثة هم سند أمن الوطن والمواطن . ‬

‫وبلغ كلاً من التعليم والخدمات الصحية أدنى مستوياتهما وبلغ فسادهما تزوير شهادات التعليم على نطاق واسع ، والرشوة بخدمات العلاج السياحي بالخارج وفساد مكاتبه . وبلغت تكلفة البنى التحتية الأعلى في العالم ، وجودتها الأدنى ، ومن دون إطالة ، كانت حكومات عاجزة عن حتى وقف سرقة تسميات الشوارع . ‬

‫وفي عهدها ، لم يكن الدستور محترم ، ولا القوانين محترمة ، وإنما سنت سابقة بالحفاظ على تحصينها بسن قوانين جائرة ، ولم يعد حتى الحرام والحلال مقياس ، وسقط الحياء ، فلم يعد له قيمة ، وأصبح مرتشون بإعترافات في مضابط تحقيقات النيابة العامة ، قيادات في لجان حماية الأموال العامة ولجان التحقيق في قضايا فساد ، بلغوا مناصبهم بترجيح من أصوات أغلبية حكومية ونيابية.‬

‫" كش ملك " لتلك الحكومة الأخيرة لم يكن مصدره مؤامرة حراك أو معارضة خائنة ، هدفهما قلب نظام الحكم ، وهي تهمة باطلة كتبت في دحضها إبان الحراك في مقالة تحت عنوان " المؤامرة والعقاب " ، وإنما جاء من الحكومة نفسها . ‬

‫جاء بعد أن تحول الفساد الحكومي إلى وباء غير محتمل ، لخصته وزيرة الأشغال في جملة واحدة ، بان الفساد إنتصر على قاعة " عبدالله السالم " وباتت مواجهة الفساد والفاسدين مستحيلة . ‬

‫" كش ملك " جاءت من النائب الأول لرئيس الوزراء الشيخ ناصر صباح الأحمد " ، الذي إنتظر نتائج تحقيق لجنة حكومية ، ووجد في النتائج ما لا يحتمل الصبر أو التسويف ، وقدم بلاغه للنائب العام ليس الغرض من كل ما ذكر عاليه زيادة آلام الناس ، فكل ما ذكرت سبق ذكره وتداوله ، ولكنه كان مقدمة ضرورية لما سوف يأتي ، فكل ما تقدم هو داء له سبب ، ومادام داء فلابد في المساهمة في البحث عن دواء له . ‬

‫ومبرر الكتابة في الموضوع هو التشكيل الوزاري القادم ، فالداء في تقديري يكمن فيه ، وحتى لا يصبح الرئيس المكلف ملك جديد ، وذلك ليس في مصلحته أو مصلحة البلد ، لابد من توصيف لداء التشكيل لعل النهج القديم لا يتكرر . ‬

‫تخلفت الكويت بشكل متصل على مدى نحو نصف قرن من الزمن ، سبب التخلف في تقديري كان الخلط بين الإدارة والحكم ، ووسيلته هو نهج تشكيل الوزارة والذي يتم على ثلاث مراحل ، أخطرها هي المرحلة الأولى التي تهيئ للمرحلة الثانية الخطرة أيضاً . ‬

‫مرحلة التشكيل الوزاري الأولى تبدأ بعد تكليف رئيس الوزراء مباشرة ، وهنا يبدأ الخلط بين الحكم والإدارة ، فالبحث في صلب التشكيل يبدأ بذكور الأسرة الحاكمة لتوليتهم ما يسمى بوزارات السيادة في بلد ينص دستوره صراحة على سيادة الأمة وليس سيادة الأسرة . ‬

‫ذلك يخلق إمتيازات جينية غير مستحقة ، وإلى جانب أنه معيار لا يأتي بالأفضل ولا الأكثر قبولاً شعبياً ، يخلق معضلتين في غاية الخطورة المعضلة المعضلة الأولى ، هي خلق نزاعات وأطماع داخل الأسرة ، وهي نزاعات متصلة سببت إهدار كل القوانين بما فيها قانون الجنسية من أجل شراء ولاءات تمتد إلى مخرجات الإنتخابات النيابية ، وإلى إهداء المناصب للتابعين ، وإلى التقاضي عن الفساد من أجل شراء الولاءات . ‬

‫المعضلة الثانية ، هي المحاصصة وتبدأ معها مرحلة التشكيل الوزاري الثانية ، فمادامت معايير اختيار صلب التشكيل هي الجينات ، لابد من شراء ولاءات العوائل والقبائل والطوائف . ‬

‫وخطورة إنتشارها السرطاني هي في توزيع كل مناصب الدولة الأخرى ، قيادية وما دونها ، وفق نفس نظام المحاصصة ، وتلك في النهاية هي قيادات الدولة الإدارية ، ومعها تدهورت الإنتاجية وساد فساد الذمم على نطاق واسع . ‬

‫ثم تأتي المرحلة الثالثة للتشكيل الوزاري ، وهي تجميلية ، فالتشكيل بمرحلتيه الأولى والثانية منتج أو بضاعة يصعب تسويقها ، ولابد من تطعيمها بثلاثة أو أربعة وزراء يتمتعون بالحرفية والصدقية ، ولكنه إختيار صوري ، لا يلبث أن يكتشف الوزير بعدها بأنه مجرد غلاف زاهي أو علبة جميلة لمحتوى خارب . ‬

‫وحتى وزراء المرحلة الثالثة ، بات من الصعب إقناع أفضلهم بعد الوعي بمصيرهم ، فخيارهم وفق تجارب الماضي ، إما الإنخراط في الخراب ، أو الباب يوسع جمل مع أول تعديل وزاري . ‬

‫رغم ذلك ، ظل من واجبنا تجاه البلد الا نفقد الأمل مهما بلغت درجة إحباطنا ، ولكنه أمل ليس مطلق ، ولابد له من أدوات قياس مبكر تحكم تفاؤلنا وتشاؤمنا ، تلك الأدوات هي مراقبة نهج التشكيل الجديد القادم قريباً . ‬

‫فإن إقتنع الرئيس المكلف بأنه ليس " ملك " وإنما رئيس مجلس إدارة البلد ، وأن أفراد الأسرة الحاكمة حظوظهم وفرصهم حظوظ المواطنة وليست حظوظ سيادة ، سوف نبلغ مرحلة " طبنا وغدا الشر " وإن بات طريقها شاقاً . ‬

‫والعكس هو الصحيح ، إن إنحاز الرئيس المكلف لنهج الداء القديم في التشكيل الجديد ، وهو نهج يحمل آلية تلقائية لإستهلاك موارد ودستور وقوانين وقيم البلد من أجل ديمومة الإدارة ، أو نهج من " صادها عشا عياله " ، فبعد سنوات قادمة لا يمكن تعويضها ، لن يكون الكش ملك " أي نفع أو فائدة ، فأوان الإصلاح حينها قد فات .‬

تعليقات

اكتب تعليقك