#جريدة_الآن محمد السبتي: لماذا تفشل كل ثوراتنا العربية منذ خمسينات القرن الماضي؟

زاوية الكتاب

كتب محمد السبتي 962 مشاهدات 0


الراي

هذه المجتمعات العربية التي وصلت إلى حد الانفجار من سوء أوضاعها، فخرجت إلى الشارع وهي لا تلوي على شيء تريد فقط أن تصرخ من ألمها وتشتكي حالها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وتدهوره، هؤلاء المواطنون العرب الذين كانوا ينامون في الساحات منادين بتغيير الأنطمة وإسقاطها بعد أن سئموا صبرهم من الفقر والعوز، هذه الأحزاب السياسية والتجمعات ومن ناصرهم من مثقفين ومفكرين طلباً للتغيير، وأملاً في الإصلاحات بعد إسقاط هذه الأنظمة التي ثاروا عليها.
كل هؤلاء... كيف كانوا يفكرون؟ ماذا كان يدور في أذهانهم وهم يصنعون ثورتهم وتغييرهم الذي أرادوا؟ كيف ارتسم في ذهن كل مواطن عربي اختنقت نفسه من الظلم والفساد المستشري في بلاده، فخرج منضماً إلى مجاميع الثوار وهو يرسم في باطن عقله صورة أن الشعوب قادرة على صنع التغيير، وترتسم صورة ملونة لحياته وحياة مجتمعه بعد التغيير المنشود، وقد استقرت الدول وحسنت إدارتها وتسيّد فيها المصلحون وعوقب فيها الفاسدون وحسنت إدارة موارد الدولة ولم تسرق وتحققت العدالة الاجتماعية وساد النظام والانضباط، ولا تسمع عن رشوة أبداً إلا وقد عوقب صاحبها ولا تسمع أن أحداً يأخذ حق ودور أحد في أي شيء، وهو يبتسم حين يأخذه هذا الفكر وسط ميادين الثورة وقد رأى بلده في باطن خياله تلحق بركب الدول المتطورة، والتي باتت ملجأ لنا حال الاغتراب طلباً للعيش الكريم وهرباً من جحيم بعض الأوطان. هكذا كان يفكر المواطن العربي حين قامت كل الثورات العربية، وهكذا كانت خطابات وكتابات كل الأحزاب في هذه الدول، ومثلها كانت كتابات المفكرين والمثقفين، كلهم تخيلوا التغيير ووعدوا به أيضاً.
منذ 2010 تغيرت الخريطة السياسية في كثير من الدول العربية بعد الثورات التي قامت بها، بعض هذه الدول انتهت فيها عاصفة الثورة، وبعضها ما زال تحت أهوال هذه العواصف التي لم تنته بعد، إلا أن النتائج واحدة! تبخرت كل تلك الأحلام والخيالات التي كانت مرسومة في الأذهان، حتى الأحزاب انقلب بعضها على بعض وانقلب البعض على سابق مبادئه ذاتها، وبان هزال الفكر وكذب الأطروحات أو على أقل حال «سوء تقديرها» ودخلت بعض هذه الدول في دوامة الحرب الأهلية، وبعضها عاد إلى الحال الذي كان عليه، والبعض ما زال يحاول انقاذ نفسه بالتنفس الاصطناعي هربا من موت الثورة!
لماذا تفشل كل ثوراتنا العربية منذ خمسينات القرن الماضي؟ لماذا تعجز مجتمعاتنا والأمة بأجمعها عن صناعة التغيير نحو الأفضل؟ لماذا يرتهن الإصلاح في أمتنا بالصدفة! فإذا ما أكرمتنا الصدفة بمسؤول صالح يقود بلاده... صلح حالها وإلا فالفساد هو «الصوت الأعلى»!
فقط ارجع إلى خطابات وشعارات وأدبيات الثورات منذ 2010 وما تبعها، ثم قارن حال هذه الدول بين ما كان يقال ويطرح، وما آل إليه الوضع الآن لتعرف حجم مشكلتنا في الأمة العربية!
تذكرت هذا الكم الهائل من الحقائق المحبطة، وأنا أتابع ما يحدث في السودان واليمن هذه الأيام، استرجعت خطابات الماضي وأنا أسمع وأقرأ بعض ما يكتب في اليمن والسودان من وعود وآمال وطموحات نحو التغيير، هذه الانقلابات على بعض من الداخل... الاستحواذ على نجاحات الثورة... اقصاء الشركاء الأضعف، كلها مشاهد تتكرر منذ ثورات الخمسينات وما زالت، ثم تكون النتيجة: عودة المشهد السياسي إلى ما كان عليه من ذي قبل وعلى المتضرر اللجوء لثورة جديدة! وهكذا تدور الحلقة إلى ما لا نهاية في أمتنا العربية!
هل أصاب الأمة العربية العقم من أن تلد تغييراً!

تعليقات

اكتب تعليقك