فارس الوقيان يدعو الى تجديد الخطاب الديني في الكويت

زاوية الكتاب

كتب 537 مشاهدات 0


التجديد الديني في الكويت أروع ما في تجربة «الإسلامويين» الأتراك في الحكم، أنها قدمت للعالم غير الإسلامي،أنموذجا مغايرا لصورة «الإسلامويين» المتشددين، لأنها تجربة تقوم على التجديد والعقلانية والانفتاح على روح الحضارة الراهنة، وهي على عكس ما نراه في بغداد وكابول من مشاهد التعصب والكراهية والانتقام بالهوية ضد الآخرين، قدمت لمجتمعها التكنولوجيا وقيم حقوق الإنسان والتعايش المشترك ما بين الأديان والطوائف. فهي تصنع المركبات لخدمة رفاهية المجتمع، بينما تستخدمها الثانية لقتل العشرات، بل الآلاف من الأطفال والشيوخ والنساء بطريقة لا تمت الى الإسلام والإنسانية بأي صلة. ما بين حالتي التشدد الأعمى، والاعتدال المستنير السائدة في منطقتنا، ينبع الاهتمام الفكروي بعقد الندوات وإصدار المؤلفات وإقامة المؤتمرات لإثارة ونقاش وتفكيك مسائل مهمة مثل: التجديد الديني، الإرهاب الإسلاموي، الأصولية، التسامح، الحوار ما بين الحضارات، وغيرها من الملفات، ولا نكاد نشاهد قناة فضائية أو نزور دار نشر إلا ونرى لتلك القضايا محلا من الاهتمام العميق من قبل المهتمين بالشأن العام، نتيجة لأهمية الأحداث والمتغيرات الإقليمية والدولية المرتبطة بتلك المسائل، وامتداد تأثيراتها على أمن الإنسان، وبيئته النفسية، واستقرار الدولة والمجتمع. من المحزن ألا تشكل تلك الملفات أهمية خاصة في المشهد الثقافي للكويت، عبر الندوات والإصدارات المنشورة، من المؤسف ألا يرى النور على ساحتنا السياسية والفكروية تيارا دينيا جريئا يقتفي أثر التجربة التركية ليذهب الى أبعد حد في برامجه الحداثوية والإصلاحية لنقد منظومة تفكيرنا الجامد، التقليدي، التي تتوقف عند التفسير الساكن المغلق للنصوص ولا تتجاوزه نحو التفسير المعرفي المرن، الذي يتعايش مع ظروف العصر الراهن، فالضالع بنصوص وتعاليم الدين الإسلامي يدرك تماما أنه ليس في مطاليب الدولة العصرية كالمجتمع المدني، ودولة القانون، المواطنة، حقوق الانسان، ما يتعارض مع تعاليم ديننا وأن جل ما كانت تسعى إليه الحضارة الإسلامية «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا» (الحجرات 13). من يرى طبيعة النقاشات تحت قبة البرلمان، وعلى الساحة الإعلامية يعرف مدى الأهمية الكبرى التي نحتاج فيها الى تجديد خطابنا ونمط تفكيرنا الديني في الوقت الراهن، فأغلب الاجتهادات تتشدد في القشور وتترك الجوهر، فالحديث عن عطلة السبت بدل الخميس ينتقل من كونه نقاشا حول الحاجة والفائدة والديناميكية الى حديث أيديولوجي متعلق بالتشبه باليهود والنصارى! على الرغم من أن المسألة لا تشكل أي حساسية بالنسبة الى كل الأديان، والقوميات الأخرى في العالم، كما أنه ليس في القرآن والسنة النبوية ما يحرم ذلك، وقد سبقتنا في إقرار السبت عطلة رسمية كثير من البلدان الاسلامية الكبرى ولم يشكل لها ذلك قضية رأي عام شعبي معارض. ما ينطبق على عطلة السبت ينطبق على كثير من الملفات، مثل عمل المرأة والتعددية الحزبية وغيرها. فالأزمة لا تكمن في الموضوع ذاته. وإنما في العقول التي تديره وتفكر في شأنه، فنحن تقهقرنا بسبب عقول الاجتهادات المتعصبة الرافضة للتعايش مع الحضارات الاخرى، وبسبب اسرى ذاكرة الماضي التي لا تفكر إلا بنقاط الصراع الماضوي (الحروب الصليبية، الاستعمار)، ولا تفكر إلا بمكامن الاختلاف وتترك مكامن الاتفاق، وهي عقول مع التراجع الذي يسود أوضاعها تشعر بأنها ذات مكانة مميزة تفوق بقية الأمم، والمستغرب أن شعور التفوق الحالم الذي لا مكان له إلا في مخيلة البعض، يتصادم مع الحالة الواقعية المتأخرة ليولد حالة من حالات التعصب الهستيري الرافض للآخر، والمبني على الإقصاء بجميع أشكاله لكل ما هو معاصر وحداثوي. نحن في محصلة الختام نحتاج الى عقول إسلاموية مستنيرة في الكويت تقود راية التجديد العقلاني في خطابنا الديني ليتصالح مع العالم، لأن تلك العقول التي تجد في تمسكها النصي الحل النهائي لأزماتنا، إنما تقودنا الى أزمات أعمق، فتركيا رغم مرور ما يقارب القرن على علمانيتها الصلبة، عادت لهويتهاالإسلامية ذات الطبيعة المتجددة والعقلانية، فنهضت لمصاف الدول العظمى، فهل يعي جيدا إسلامويونا الأنموذج التركي حتى تنهض بلدانهم؟ فارس الوقيان
الوسط

تعليقات

اكتب تعليقك