#جريدة_الآن الدكتور محمد الرميحي يكتب : هذا الغول المخيف!

زاوية الكتاب

د. محمد الرميحي 587 مشاهدات 0




الأهرام
نظمت فى الكويت فى إطار مهرجان القرين الثقافى منتصف هذا الشهر ندوة بعنوان ( وسائل التواصل الاجتماعى والأزمات الثقافية قدمت فيها عددا من الأوراق العلمية المتميزة من رجال ونساء مشهود لهم بالبحث العلمى الرصين. تزامن توقيت الندوة مع قضية الفتاة السعودية التى هربت من أهلها، وتلقتها دولة كندا، وأيضا تزامنت مع حادث مدرسة قانون كويتية، هجرت بلادها، كما ادعت خوفا من القانون الصارم الذى يلاحق من يخرج عن المقبول فى وسائل التواصل الاجتماعي، تحولت القضية الاولى نكاية سياسية، فقد كان من المفترض ان تستقبل الفتاة السعودية من الهلال الاحمر الكندى او المؤسسات الراعية لحقوق الانسان، ولكنها استقبلت بحفاوة غير معهودة من وزيرة الخارجية الكندية بعينها، فى نفس الوقت منحت المدرسة الكويتية حق اللجوء بمحرد وصولها الى الأراضى الامريكية، فى الوقت الذى تتشدد فيه الولايات المتحدة فى قوانين الهجرة. هنا تتداخل السياسة بوسائل التواصل الاجتماعي.

وفى قضية أخرى فى الكويت سافرت أسرة مع أبنائها الى إحدى العواصم الاوروبية واختفى أحد الابناء وهو فى سن يافعة، وبحثت الاسرة عن الطفل وبعد فترة أبلغتها الشرطة أنه لجأ الى مجموعة كان يتواصل معها على الانترنت، وقد أبلغت الشرطة تلك المجموعة ان الطفل يطلب الحماية من اسرته!.
لو بحثنا فى هذا الملف فسوف نجد الكثير من تلك الاحداث التى تجرى وتخلق أزمات أسرية وثقافية وحتى دولية، نتيجة هذه الوسيلة التى تسمى وسائل التواصل الاجتماعي, انه الاعلام الجديد وهو مفهوم معنا منذ فترة وقد تطور هذه المفهوم مع الثورة الرقمية، بل اصبح الاعلام القديم يعتمد على تدفقات الاعلام الجديد ويستخدم وسائله!.
ومنذ عقدين على الاقل ووسائل ذلك الاعلام الجديد تتطور وتؤثر سلبيا او إيحابيا على تشكيل المجتمعات ثقافيا، وتُنشط التفاعل بين الافراد والجماعات، على مستوى رأسي، ولكن الاكثر على مستوى افقى، مما أثر تأثيرا عميقا على التشكيل الثقافى و المعلوماتى والسلوكى للنسيج الاجتماعى العربي، وبرزت اشكال جديدة من الازمات الثقافية والسياسية، بسبب تلك الوسائل .
وأصبحت تلك المنصات الجديدة مكانا لما يمكن أن يسمى ساحة حرب قائمة على قدم وساق، فهى تحمل معلومات وأخبارا وتحليلات، كما تحمل من الشائعات ومن الآراء السلبية ومن الاخبار الكاذبة، ما بدأت الحكومات والشعوب تضيق به، كما اصبح ساحة للمهضومين لتغذية عناصر عدم الاستقرار فى الانظمة السياسية والاجتماعية.
وسائل التواصل تلك كما تحمل من المخاطر على الاشخاص و الاسر تحمل المخاطر ايضا على الامن القومى للكثير من الدول، مما اوجد جوا ينتشر من المطالبات بالرقابة والمنع وهى خطوات تواجه المقاومة والنقاش الساخن، كما يجد مشغلو وسائل التواصل الاجتماعى طرقا مختلفة للقفز على المنع والرقابة. الامر جد خطير, نحن امام معادلة بين ان يتاح للجمهور أن يُسمع رأيه ويؤثر فى محيطه ويشكو مخاوفه، وبين ان ينشر بين الناس الغث والضار ويشيع التجهيل والخرافة والتشويه ويؤسس لعدم الاستقرار ويقسم الأسر ويسمم المجتمع.
نحن امام معادلة اجتماعية جديدة وهى ( الحتمية الرقمية) وتلك المعادلة كانت هى صلب نقاشات الندوة التى أشرت إليها, وضرورة تدارس خطورة ما يعرف بالشعبوية الاتصالية التى اعتمدتها الكثير من المؤسسات والاشخاص المهتمين بتكتيل الراى العام، من مسئولين ودول ومؤسسات، بل وصل الى درجة الابتزاز الاجتماعى او السياسي، دارسة الاضرار او الفوائد ان وجدت من هذه الحتمية الرقمية التى تغشانا وتفرض سؤالا مهما هو كيف نعظم الفوائد ونحاصر الاضرار من تلك الوسائل، مع قياس مستوى وعوامل المناعة المجتمعية من الحتمية الرقمية فى فضائنا العربي؟ نحن امام مجتمع واحد عولمى بسبب هذه الحتمية الرقمية، نتج عنه خلق مجتمع المتظاهرين كما فى فرنسا الى هروب الفتيان والفتيات من أسرهم الى ترويج المخدرات.
لقد أصبحت تقنيات تشكيل الرأى العام، والتفاعل بين المجتمع وثوابته، وبين القيم القديمة والقيم الجديدة التى يروج لها الاعلام الرقمى الجديد لها مفاعيل مختلفة كما انها تركت أثرا عميقا على الاقتصاد المحلى والاقليمي. وتسببت فى خلق ايقونات مليونية، والتساؤل هل هناك قيمة مضافة فى كل ذلك!؟ وهل تعاملنا مع تلك الوسائل؟ وهل هى نابعة من قدرتنا، ام هى تابعة للغير؟

تعليقات

اكتب تعليقك