#جريدة_الآن حسن فتحي يكتب عن : سر رائحة القهوة!

زاوية الكتاب

كتب حسن فتحي 584 مشاهدات 0




الأهرام

في مقالة سابقة حذرنا من شرب "القهوة السادة"، لما انتهت إليه نتائج دراسة بريطانية من وجود علاقة بين حب القهوة السوداء والميول السادية أو النفسية.. وقلنا من الطبيعي أن مشروبا في شعبية القهوة في العالم، حيث أصبح احتساؤها "متلازمة يومية" أو مفتاح النهار، بل والليل لملايين البشر حول العالم، حيث يتناولون منها 1.4 مليار كوب يوميا، حتى صار لها يوما عالميا يحتفل به الناس في نهاية شهر ديسمبر، فمن الطبيعي أن تكون هدفا للدراسات والأبحاث العلمية، دراسة تدعم شربها، وأخرى تحذر من الإفراط فيها.


ها هي دراسة حديثة، ربما تؤكد ما كان مأثورا عن مشروب القهوة منذ بدء اكتشاف الإنسان لها في منتصف القرن الخامس عشر، كمشروب مساعد على التركيز، بل والتأثير الحاد على المخ!.

حتى لو لم تكن من مدمني القهوة أو حتى شاربيها، بالتأكيد تشعر باليقظة والانتباه بمجرد مرورك بجوار أحد بائعي البن.. من هنا جاءت التجربة التي انتهت بمفاجأة، مجموعة من الطلبة تم تعريضهم لرائحة القهوة أثناء الامتحانات في مادة الرياضيات، كانت المفاجأة أنهم حققوا درجات أعلى مقارنة بمجموعة أخرى من الطلبة في نفس توقيت الامتحانات، لكنها لم تتعرض لرائحة القهوة!!
ما يعني أن لرائحة القهوة تأثير على الذهن؟

هل اقتنعت أم تراها مجرد صدفة؟ هذا أيضا ما تساءل عنه الباحثون.
بالمناسبة، القبائل الأثيوبية القديمة هم أول من لاحظوا تأثير شجرة البن المحلية في الطاقة والنشاط، وأول الأدلة الموثوقة على شربها كانت "لأسباب روحية" في الأديرة اليمنية الصوفية!، حيث اعتبروها محفزا على "القوة والطاقة".. ربما "مشروب الطاقة في ذلك الزمان"!.

وربما لهذه الآثار "الروحية" للمشروب تم حظره في عام 1511، ثم ألغي هذا الحظر في عام 1524 بأمر من السلطان العثماني سليمان الأول، مع إصدار فتوى تسمح باستهلاك القهوة!.. وكانت الكنيسة الأرثوذكسية الإثيوبية أيضا قد حظرته لبعض الوقت قبل القرن الثامن عشر، وكان هناك حظرا مماثلا في مصر في عام 1532!!.
وهكذا، ربما تكون نتيجة الدراسة الحديثة التي أجريت في جامعة نيوجرسي الأمريكية تأكيد لم ذهب إليه الأولون من تأثير القهوة، فهل تخيلت يوما أن مشروبك المفضل، أنت وملايين البشر حول العالم، كان يوما ما "محظورا"، وتم السماح بشربه إثر "فتوى دينية"!
تبرر الدراسة هذا الأثر "المنشط للذهن" من رائحة القهوة، ربما لوجود ما يسمى في لغة البحث العلمي بتأثير "العلاج الوهمي"، وفيه تتغير النتائج بناء على توقع الخاضعين للتجربة لهذا التأثير، فقد لا تكون رائحة القهوة فقط هي من ساعدت الطلاب على الإجابة بشكل أفضل، وهو أمر مثير للدهشة في حد ذاته، ولكن ربما قد توقع الطلاب مسبقا أنهم سوف يحققون نتائج أفضل لوجود هذه الرائحة.
وتأكيدا للتجربة تم عمل دراسة على أكثر من 200 شخص آخرين ممن لم يتعرضوا للتجربة الأولى، جاءت النتائج بأن رائحة القهوة تعتبر محفزة ومنبهة لغالبية الطلاب مقارنة بالروائح الأخرى، مثل الورد أو حتى عدم وجود أي رائحة على الإطلاق.
بالطبع هذه النتائج يمكن أن تلتقطها شركات الدعاية لتناول القهوة في العالم، خاصة الأمريكية منها، في مواجهة الحكم الذي أصدره قاض أمريكي في مارس 2018، وخلاصته أن القهوة تناظر في مخاطرها الصحية البطاطس المقلية، في احتوائهما على مادة الأكريلاميد، والتي قد تؤدي إلى الإصابة بمرض السرطان!!
وحينها أصدر المدير التنفيذي لجمعية القهوة الوطنية الأمريكية بيانًا دافع فيه عن القهوة، مؤكدا أن لها فوائد صحية، دون أن يقدم آنذاك دليلا قاطعا على صحة ذلك!، واليوم ربما توفر له هذه الدراسة الدليل على فوائدها الصحية، حتى وإن كانت "وهمية"!.
والآن يمكنك أن تختبر أنت بنفسك، صدق نتائج هذه الدراسة من عدمه، وتمر ببطء أمام بائع البن المُفضل لديك صباحا، بدون أن تشتري، لترى هل حقا باستطاعة رائحة القهوة أن تحفزك ليومك وتجعله أفضل أم لا.. يعنى "خليها على الريحة المرة دي"!.

تعليقات

اكتب تعليقك