حسن العيسى يحن لزمن " عبدالله السالم " و " جابر العلي "

زاوية الكتاب

كتب حسن العيسى 903 مشاهدات 0


الجريدة

"إذا كان الماضي بلداً أجنبياً فدعوني أهاجر إليه"، جاءت العبارة السابقة في منتصف مقال افتتاحي لجريدة إيكونوميست، فهناك حسب المقال دائماً الحنين للماضي، عندما يكون الحاضر مخيباً أو دون الطموح الكبير، ترامب ردد وتعهد بأن يجعل أميركا عظيمة من جديد، الرئيس الصيني تشي جين بينغ يستعمل عبارة "الحلم الصيني" كي يزيل قرناً من الهوان والاستعباد عانته الصين في الماضي، وكي تعود الصين عظيمة كما كانت في العهود القديمة، أيضاً رئيس الوزراء الهندي مودي يثير هذا الحنين للقومية الهندوسية، تلك النوستولجيا (الحنين) أداة عظيمة، حسب الجريدة، بيد السياسيين لتحريك الشعوب، لكنها أيضاً قد تكون وسيلة "تخشب" وتحجر الثقافة السياسية حين تهيمن على وعي الناس.

عند قوى عربية، سواء كانت أحزاباً إسلامية أو قومية، تقدس الماضي التليد، حين كان ماضيهم حضارياً متقدماً في زمن عصور الظلام الوسطى بأوروبا، هناك استحضار للماضي العظيم ليوفر نوعاً من العزاء النفسي لفشل الحاضر، المكبل بالهيمنة الأجنبية الاستعمارية وخيبة معظم الأنظمة العربية بعد الاستقلال في اللحاق بسرب الحداثة، وعجزها عن وضع القدم العربية على سلالم التقدم الإنساني، هنا تصبح هذه النوستولجيا للأيام الغابرة، ومحاولة وضع حلول مستمدة من تراث ماضوي، هي الحل الحالم لهموم الحاضر، مثل رفع شعار الوحدة العربية أو شعار الإسلام هو الحل، بعبارات مطلقة عامة تعد بدورها تخشباً وتحجراً للوعي، وتغييباً لا واعياً للحاضر وتحدياته المختلفة تماماً عن تحديات وظروف الأمس.

لكن هذا الحنين يكون مبرراً ومفهوماً عندما يصبح الحاضر سيئاً يرافقه عجز متأصل من ساسة اليوم في مواجهة تحديات اللحظة الحاضرة، فحنيننا للستينيات والسبعينيات أمر مفهوم، فنحن، في الكويت، نحنُّ لزمن وضع الدستور في عهد عبدالله السالم والمجالس النيابية الأولى تقريباً قبل أن تطالها يد العبث السلطوية، ونحنُّ لحياة اجتماعية منفتحة نسبياً في ذلك الزمن، واحتفالات برأس السنة وحفلات سينما الأندلس وبرامج تلفزيونية متحررة بزمن المرحوم جابر العلي كوزير للإعلام، من دون تهديد ووعيد النواب المحافظين المتزمتين المزايدين على المشاعر والعواطف الدينية، والذين تتجاوب معهم الحكومة بلمح البصر.

عندنا حنين لفكر وكتب نجدها في معظم المكتبات دون رقابة ميليشيات الوزير المحلل، لدينا حنين لشوارع قديمة لا تختنق بزحمة وضجيج السيارات، لدينا حنين لعلاقات وتواصل اجتماعي غير مكبل بسلاسل تويتر وواتساب، لدينا حنين لزمن جميل لم تشوهه حداثة الفساد التي أغرقت الدولة، هذا الحنين ليس عزاء نفسياً فقط، بل هو أيضاً هروب مشروع من يأس عجزنا عن تغيير ونسف هذا الحاضر التعيس، ويبقى هناك الأمل في الشباب من الجنسين كي يقلبوا هذا الحاضر نحو غد واعد دون حنين لماض رحلت أيامه وسنونه مع شعاع ضوء غادرنا منذ زمن، ولم يبق لدينا غير ذكراه.


تعليقات

اكتب تعليقك