صباح الأحمد... القوة الهادئة! - يكتب خيرالله خيرالله
زاوية الكتابكتب خيرالله خيرالله نوفمبر 2, 2018, 10:53 م 954 مشاهدات 0
الجريدة:
ما عاد أحد في الكويت مغرماً بـ«الصوت العالي» في مقاربة الأمور السياسية. حتى أولئك الذين صدرت بحقهم أحكام نهائية ويعيشون اليوم في المنافي يوسطون الجميع للحصول على عفو خاص، بل يذهب أكثر المتطرفين سابقاً في حدة المواقف ضد السلطة إلى الطلب من زملائه النواب والسياسيين ألا يزايدوا في مواقفهم لأن ذلك قد يضرّ سعيهم الى الحصول على عفو خاص.
الصوت الهادئ هو ما يحكم العلاقة بين رئيس مجلسي الأمة مرزوق الغانم ورئيس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك، والاثنان يعملان تحت مظلة سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الذي كان حازماً في تحذيره للنواب بالنسبة الى ضرورة وقف لعبة المزايدات والاستجوابات لرئيس الوزراء. وهذا الصوت الهادئ أدى الى معالجات جذرية لأمور أساسية في الكويت من دون مزايدات شعبوية أو مصالح انتخابية. وهو ما ترجم في الجلسة الافتتاحية لدور انعقاد البرلمان في سحب الاستجواب الذي كان مقدماً من نائبين لرئيس الوزراء على خلفية قضايا عامة وخاصة اتضح لاحقاً أن حلولها محسومة حكومياً.
لكن الصوت العالي عاد بقوة الى الكويت إنما من رأس الهرم هذه المرة وبطريقة مختلفة، إذ زود الأمير الشيخ صباح الأحمد الحرب على الفساد أسلحة جديدة تمثلت في مجموعة مواقف علنية أهمها عند استقباله وفد ديوان المحاسبة حيث ركز عند تسلمه التقرير السنوي في أسئلته على المخالفات أكثر من الانجازات، كذلك طالب الأمير في كل لقاء له مع رئيس الحكومة أو الوزراء بضرورة المبادرة بالرقابة والمحاسبة من المستويات العليا وتحميل قياديي الدولة المسؤولية عن أي تقصير أو تراخٍ.
ووثقت الحكومة توجهات الأمير في الملتقى الحكومي الأول لـ«تعزيز النزاهة». أكّد رئيس الوزراء الشيخ جابر المبارك في الملتقى أنه لن يسمح بأن يكون هناك فساد في الجهات الحكومية وأنه سيحمّل قياديي تلك الجهات المسؤولية في حال وجود فساد.
وقال المبارك لعشرات القياديين في الدولة انه يحملهم المسؤولية «ومَن لا يستطيع مواجهة الفساد بعد أن أدى واجبه، فأرجو أن يطلب إعفاء نفسه». هذه سابقة في الكويت حيث كان عدد لا بأس به من الفاسدين يجد دائماً وسيلة ما لتغطية فعلته.
كذلك كان الصوت العالي موجوداً وأيضاً من ديوان الإمارة حين أراد الشيخ صباح توجيه رسائل الى الداخل والخارج عن الحصن الحامي للتجربة الكويتية أي الحريات وحقوق الانسان. فعندما استقبل رئيس الديوان الوطني لحقوق الإنسان واعضاءه، طالبهم بالعمل بشكل متحرر من أي وصاية أو ضغط واضعين نصب أعينهم تعزيز الحريات وحقوق الانسان. ويومها تعمد الشيخ صباح ان تكون كلمته متلفزة وعلنية ومباشرة خصوصا حين قال للوفد الزائر: «ما نبيكم (نبغيكم) في مخباتنا (اي في جيبنا)، نريدكم أن تكونوا أحراراً، لكن في الوقت نفسه لا تنسوا هذه بلدكم ومثلما أنا مسؤول أنتم مسؤولون». واضاف: «أهنئكم لاختياركم لهذه المهمة الإنسانية، وفي الوقت نفسه أتمنى أن تحافظوا على سمعة بلدكم. كثير من الناس يسيئون الى حقوق الإنسان، وأنتم كلكم لكم معرفة بحقوق الإنسان». اي انه أطلق يدهم في التصدي لكل من يسيء إلى حقوق الانسان في الكويت وأمرهم بأن ينجزوا عملهم من دون خوف من وساطات وتدخلات المسؤولين، ومن سيجرؤ على التدخل إذا كان رأس البلاد قال علنا ما معناه: «لا نريدكم في جيبنا كسلطة بل نريدكم أحراراً في جيب الكويت».
حرب أخرى داخلية تخوضها الكويت على الفساد والتجاوزات استكمالاً لحربها الخارجية من أجل تحقيق الاستقرار وإبعاد المنطقة عن الأزمات والخضات. واللافت أنك صرت تقرأ وتسمع في الكويت عن إحالة 360 من حملة الشهادات الجامعية الى النيابة لأن شهاداتهم مزوّرة أو مشكوك فيها، كما تسمع وزيرة تقول إن هدراً حصل نتيجة خطأ كلف المال العام عشرات الملايين من الدولارات، والأكثر وضوحاً هو متابعة فصول قضية ما عرف بـ«ضيافة الداخلية» التي أطاحت اسماء كبيرة من داخل وزارة الداخلية وأخرى من كبار رجال الاعمال. وهي القضية التي تتلخص في أن مسؤولين من الوزارة اتفقوا مع اصحاب فنادق وغيرهم على مضاعفة فواتير ضيافة بعض الاشخاص والوفود لتصل الى ما يتجاوز 100 مليون دولار. نعم 100 مليون دولار!
أمور كثيرة تموج بها الكويت، لكنها مضبوطة بالمؤسسات القوية من جهة وبالخوف من عواصف الوضع الاقليمي من جهة أخرى. وهذا الانضباط تحديدا هو ما طلبه أمير الكويت من عدد من النواب التقاهم بمعية الرئيس مرزوق الغانم، إذ تمنى عليهم ان ينتبهوا الى ما يجري في الإقليم ويحصنوا بلدهم من اي خضات او هزات، وفي الوقت نفسه دعاهم الى رفع سقف ممارستهم لدورهم الرقابي والتشريعي انما من ضمن المؤسسات لا بالقفز فوقها.
إذا كان لا بدّ من اختصار الوضع في الكويت، حيث استوعبت المعارضة، بما في ذلك المعارضة المتطرفة قبل غيرها، دقة الوضع الإقليمي وأهمّية الاحداث التي تقع في الجوار، يمكن القول إنّ هناك نوعاً من النضوج السياسي في البلد. إنّه نضوج على كل صعيد في وقت تستعد الولايات المتحدة لفرض رزمة عقوبات جديدة على ايران. لم يعد سرّا ان سمو الأمير أبلغ النواب أن ما قبل العقوبات الأميركية الجديدة على إيران ليس كما قبلها.
تجد الكويت نفسها في وضع يفرض على الجميع تحصين الوضع الداخلي. الأمر لا يقتصر على ما يمكن أن تُقدم عليه إيران من ردود فعل. هناك أيضاً الوضع في جنوب العراق وفي مدينة البصرة تحديداً. ليست البصرة بعيدة عن الكويت، بل هي الأقرب إليها جغرافياً وتاريخياً. يبدو الوضع في البصرة الذي هدأ نسبياً قبل أسابيع، مرشح لانفجار جديد وكبير سيكون من الصعب ضبطه، خصوصاً انّه ليس هناك ما يشير الى أن الحكومة الجديدة التي شكلها عادل عبد المهدي مستعدة لايلاء أي اهتمام لمشاكل أهل المدينة التي تعاني من كلّ أنواع الإهمال. لم تضم الحكومة ولو شخصية واحدة تمثل البصرة وتستطيع أن تلفت السلطات العليا الى همومها ومشاكلها ومياهها المسمومة وكهربائها المعدومة.
هناك بكل بساطة حرب أخرى من نوع مختلف عن الحروب العسكرية مسرحها الكويت. اسم الحرب تحصين الوضع الداخلي. من حسن الحظ أنّ ثمة وعيا على الصعيد الوطني لذلك. كان ملفتاً أن جلسة افتتاح مجلس الامّة مرت بهدوء باستثناء كلمة الأمير التي تضمنت غير تحذير. لم يعد هناك من هو على استعداد لدخول لعبة المزايدات التي دفعت الكويت ثمناً كبيرا لها. في كلّ مرّة تجاوز هؤلاء اللاعبون حدوداً معيّنة كان على أمير الدولة التدخل عبر اللجوء الى إجراءات حازمة وحاسمة ورادعة. يتدخل الشيخ صُباح الأحمد ولكن بطريقة مختلفة. يعتمد القوّة الهادئة لا أكثر ولا أقلّ. هذه القوة الهادئة أكثر ما يلائم المرحلة الراهنة حيث هناك هياج في غير منطقة في الخليج والشرق الاوسط.
تعليقات