كشعوب متطلعة للتطور يجب أن نحمل مشروعا مجتمعيا حقيقيا يعنى بتثقيف الشعوب وتطويرها وتفجير مكامن طاقتها - يكتب محمد السدَّاني

زاوية الكتاب

محمد السداني 3681 مشاهدات 0


سألت في إحدى المرات ما رأيك في ما وصل إليه الفكر الإنساني من تطور؟ وكان سؤالا صعبا للأمانة، فقد يحتاج هذا السؤال إلى مجلدات من الإجابة الوافية، بيد أنني أنظر إليه من زاوية ما يعني من الفكر وما أثَّر به على الإنسان من تطور أو تراجع، ما زال الفكر الإنساني يتدافع ما بين الرغبات وبين الواقع، فيخلق أصحاب الرغبات أطرا سياسية ومفاهيم اقتصادية ونظريات اجتماعية لتأصيل أفكارهم الشاذة عن طبيعة الإنسان، وأعتقد أنني أسميها «شاذة» لأنها لم تتفق وطبيعة الإنسان وبيئته.
وهذا ما يدفعنا للتفكر في المنهج الصحيح للعيش لا التعايش، والفرق بينهما كبير جدا، فنحن بالعيش نضع قواعد البقاء والاستمرار والديمومة، أما التعايش فنحن نعمل على تذليل العقبات التي تحيط بنا من أجل تسيير عجلة الحياة، من دون مراعاة لبعض النقاط التي من الممكن أن تكون محورية في حياة الإنسان، إلا أنها تتلاشى بعلة التعايش والتسامي على صغائر الأمور، وكلما تسامينا وتعايشنا سقط مبدأ واختل فكر وانحدر سلوك حتى نصل إلى مرحلة نحتاج فيها أن نعيد النظر إلى فكرنا الذي أسقط عنه كل شيء، وبالتالي نتعامل مع وضع ناقص لنخرج منه فكرا كاملا - باعتقادنا- لنبدأ كذبة التعايش والديمومة.
عندما تنازل الإنسان عن حريته مقابل رغيف الخبز أصبح رغيف الخبز يشكل محور الديمومة وعلَّة التعايش، بل إنَّ رغيف الخبز صار رمزا للاستقرار والديمومة المجتمعية، فيخير الإنسان بين حريته ورغيف الخبز في مراحل تأصيل هذا الفكر المنحرف، فإذا اقتنع صارت المساومة برغيف الخبز على كل شيء، حتى يختفي معنى الحرية من قاموس كثير من الشعوب، ويهددوا بفزاعة رحيل الخبز الذي شاهدوا آثار غيابه في كثير من الأماكن، وما وقع الناس في الخوف من هذه الفزاعة إلا نتيجة جهل وتجهيل.
إننا كشعوب متطلعة إلى التطور لا بدَّ علينا وأن نحمل مشروعا مجتمعيا حقيقيا يعنى بتثقيف الشعوب وتطويرها وتفجير مكامن طاقتها، والقضاء على أصحاب الفكر الشمولي الذي رأينا نتائج تحكمهم في العالم، فمعارك الكرة الأرضية جميعها كانت على يد مدرسة شمولية منحرفة فكريا، آثرت منهجها على الشعب والأرض والدم، فراح ملايين الناس ضحية لغبي ظنَّ أنه سيملك الأرض طولا وعرضا، واختفت دول بجهل متعمد من شخص ظنَّ أنه الدولة والعلم والأرض والدين، إننا قبل أن نثور على هذه الأنظمة الفكرية المتخلفة، لابد علينا أن نثور على جهلنا حتى نتغلب على الخوف من المجهول وأن نرسم خريطة حقيقية لمجتمع يريد أن يعيش حياة هو يرسمها ولا يتعايش مع مجتمع لا يعرفه ولا ينتمي إليه.
أعجبتني مقولة محمد رشيد رضا عن الثورة والثائر حيث قال: إنَّ الثائر من أجل مجتمع جاهل مثل الذي يحرق نفسه ليضيء الطريق لشخص ضرير.

تعليقات

اكتب تعليقك