محمد الرميحي يتحدث عن قدرة وسائل الإعلام الإجتماعي الهائلة على صياغة الرأي العام
زاوية الكتابد. محمد الرميحي أكتوبر 6, 2018, 6:48 م 1063 مشاهدات 0
ربما منذ اختراع الطباعة في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي، لم يحدث للبشرية أن تأثرت سلوكاً ومواقف اقتصادية وسياسية، كما تتأثر اليوم من خلال ما يُعرف بشكل عام بـ«الإنترنت».
الدراسات السابقة التي انغمس فيها مفكرون وكتّاب حول تأثير المطبعة، وجدت أن البشرية انقلبت على نفسها باختراع الطباعة.
الفرق بين تلك التأثيرات العميقة، وبين ما نشهده اليوم، أن الأولى حدثت بشكل متدرج نسبياً، أي أن طرق الطباعة تطوّرت تدريجياً، وتأثيرها على بقية العالم أيضاً أخذ أوقاتاً أطول، على سبيل المثال، تأخرت أربعمائة عام حتى دخلت الفضاء (الإسلامي - العربي)، على العكس من «الإنترنت»، التي تدخل إلى مجتمعات الغرب والشرق على السواء في نفس الوقت، وقد لمسنا اليوم تراجع تأثير الصحافة الورقية تقريباً في كل العالم لصالح التواصل السيبراني، بل إن بعض الصحف، حتى الكبرى، أصبحت تابعة وليست قائدة للمعلومات (صحيحة أو خاطئة) التي تُنشر في المساء على وسائل التواصل الاجتماعي، ولن أندهش أن يتم في القريب تراجع حتى الإعلام المشاهَد، فهو اليوم يعتمد أكثر وأكثر على الإنترنت، من جانب آخر لن يتأخر العالم كثيراً للحصول على خدمة الإنترنت من الفضاء، وبتكاليف زهيدة نسبياً وعلى كل مساحة الكوكب الأرضي، بل أصبح لدينا عملة دولية افتراضية قائمة على الإنترنت!
ماذا يعني ذلك كله على الصعيد السياسي والاجتماعي؟ إنه انقلاب كامل وغير مسبوق في تشكيل العلاقات بين الجماعات والشعوب، كما هو انقلاب كامل في تشكيل ما يُعرف بالرأي العام أو (العقل الجمعي)، فهذا الرأي العام يمكن قلبه حتى على مؤسساته.
لم يعد السياسي يحتاج إلى كاتب خطب، أو صحافي قدير بجانبه، أو حتى بالدعوة إلى (مؤتمر صحافي).. كل ذلك أصبح أو سوف يصبح قريباً شيئاً من الماضي، يكفي أن يكون له اتصال على الإنترنت وجهاز ذكي صغير في يده يوصّله إلى العالم، وليس جمهوره فقط!.
في الغالب فإن نشرات الأخبار في دول العالم تهتم بالقضايا المطروحة على مجتمعاتها، ونادراً ما تعطي قضايا أخرى (إلا في ما ندر) أولوية في صدر نشرات الأخبار، إلا أن الملاحَظ أن كل نشرات الأخبار في معظم ثقافات ودول العالم في الآونة الأخيرة تشترك في قضية واحدة، هي ما يطلق عليها «إدمان التكنولوجيا الحديثة» وفعلها السلبي، فما فعلته «الإنترنت» في ربع القرن الأخير في سلوك الإنسان لم يفعله أي اختراع إنساني سابق! .
وحسب شركة «Statista» الألمانية، المتخصصة في أبحاث السوق، فإن عدد مستخدمي الهواتف الجوالة في العالم سوف يرتفع في نهاية عام 2018 إلى 2.53 مليار مستخدم، مقارنةً بنحو 2.32 في عام 2017، ولكنّ الرقم سوف يصل إلى 2.87 مليار بحلول عام 2020.
ويذهب بعض التقديرات إلى أن الفرد في المتوسط يقضي 90 دقيقة في اليوم على هاتفه الجوال، أي أن معظم الناس يقضون 23 يوماً في العام مع هواتفهم الذكية.
في بريطانيا الدراسات تقرر أن المواطن البريطاني يدقق في تليفونه الجوال كل سبع دقائق، وينظر معظم المواطنين إلى تليفوناتهم خلال نصف ساعة من استيقاظهم من النوم، كما أن المتوسط للفرد هو أكثر قليلاً من ثلاث ساعات، يقضيها شاخصاً في شاشة تليفونه الذكي في اليوم! هذه الظاهرة تجتاح العالم. إلا أنها متجذرة في بلاد عربية وشرق أوسطية، فالسعودية والمغرب يأتيان رقم (29) و(30) على التوالي في القائمة الدولية (عام 2013) لحيازة التليفونات الجوالة، ويتقدمان على كندا وأستراليا في عدد التليفونات الجوالة، مقسّمة على عدد السكان، وإيران تتقدم على المملكة المتحدة في ذلك!
واستخدام «الإنترنت» وما يجاورها من منتجات تقنية له الكثير من الفوائد، إنْ تم استخدامها بشكل إيجابي، كما له الكثير من الأضرار. فمن الإحصاءات الأخيرة نجد أن بين الضحايا في حوادث السيارات في المملكة العربية السعودية، سبعة آلاف ومائتي شخص، بسبب استخدامهم للتليفون الجوال في أثناء قيادة السيارة (عام 2017).
كما اضطرت وزارة التربية في الكويت، لمنع ظاهرة الغش في الامتحانات، إلى أن تستخدم نظاماً مطوراً هو الـ«إيرباترول».
وفي الصين هناك 300 مركز (حتى الآن) لعلاج إدمان الإنترنت، وهناك محاولات للتشريع ضد (الاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي).
وفي سنغافورة وعدد من الدول الأخرى تغلّظ العقوبات على ما يُعرف بـ«جرائم الإنترنت».
الإدمان أصبح ظاهرة عالمية إلى درجة صيغ لها مفهوم هو (فوبينج phubbing)، وتعني تجاهل شخص بجانبك لصالح تليفونك الجوال! تلك هي المخاوف والهواجس، إلا أنه من ناحية أخرى لا يستطيع أحد أن ينفي أن استخدام التقنيات المتطورة له فوائد جمّة خصوصاً بالنسبة إلى التعليم، خصوصاً تعليم الصغار، إنْ هي استُخدمت بشكل صحي وعلمي، كما لا يستطيع أحد أن يستغني عنها.
مع الاعتراف بكل تلك الفوائد فإن الاستخدام السلبي في فضائنا العربي لـ«الإنترنت» ووسائلها في التواصل الاجتماعي يستنزف جهداً في التضليل والشعبوية، ربما لا يقابله مثيل في الثقافات الأخرى، وهو ناتج من عاملين؛ الأول هو ضعف المناعة لدى المتلقي الذي يبحث عن المعلومة، فإنْ أتته خاطئة أو محرَّفة أو حتى كاذبة صدَّقها، والعامل الثاني هو الغفلة لدى المؤسسات الرسمية عن أهمية الحاجة إلى وضع المواطن في الصورة بسرعة وبإتقان في القضايا التي ترتبط بحياته. تتجه بعض الدول إلى منع شكل من أشكال التواصل الاجتماعي، كما تفعل إيران مثلاً ولكنّ ذلك المنع حبله قصير جداً، لأن التقنية يمكن لها أن تسهّل الالتفاف على المنع بسهولة.
المعادلة المطروحة هي: كيف يمكن إقناع المواطن العادي بأن ما يصله من «معلومات» في كثير منها «إشاعات» مصنوعة لغرضٍ ما ووراءها أجندة خفية؟ تلك معادلة صعبة، لأن المواطن بشكل عام «يحب الدم»، أي يعشق الغامض وما يقال إنه سرّيٌّ للغاية، بل ويحب أن يسمع ما يشتهي أن يسمعه، في غياب فاضح للمعلومة.
ولا تتأخر «الأجهزة» في عدد من الدول التي لها أجندة ما عن الاستخدام السلبي لهذا الاختراع، وإذا كان الأطباء يقولون إن الإنسان هو ما يأكل! فإنه قد يكون قريباً إلى الصحة أنْ يقال إن الإنسان يتشكل موقفه من الأمور ممّن يرافق، ولا أكثر من مرافقة الإنسان اليوم لجهازه الذكي، الذي ينقل له الأخبار، والإشاعات والدعايات أيضاً.
قد يتجاهل البعض أو يخفّف من تأثير وسائل الاتصال (بأشكالها المختلفة) على تشكيل رؤيتنا وقيمنا وموقفنا من الحياة، وقد تسارع ذلك التأثير منذ زمن (الإعلام المطبوع) إلى زمن (الإعلام الإلكتروني)، من الصحافة إلى الإذاعة إلى التقنية. في الصحافة استجابة الجمهور لا تتسم بالتوافق الزمني، لأن الكل يقرأ الجريدة في زمن آخر.
وفي الإذاعة تقارب الزمن. أما الاتصال الإلكتروني فقد تطابق الزمن لدى المتلقي. كما تقدم كثيراً فن «الإخضاع» لما يُبث من خلال تقدم دراسات فهم آليات العقل الجمعي، وصار من الممكن السيطرة على الجمهور وإخضاعه، فقد أصبحت «إعادة صياغة الجمهور أكثر أهمية من تغيير المنتج»، كما عبرت عنه الدراسات الخاصة في هذا الحقل، لأن تغيير السلوك الإنساني عملية اجتماعية، يمكن التحكم فيها، قابلة للخداع أيضاً. «الجوار الإلكتروني» يمكن أن يكون مصدراً للقيم والأخلاق الإيجابية أو المضادة، لا يقل في قوته المرجعية عن تأثير الأسرة والمؤسسة التعليمية وربما حتى التعاليم الدينية. على سبيل المثال في دراسة لجامعة نبراسكا الأميركية سُئل مجموعة من الأطفال: هل الأفضل الاحتفاظ بآبائكم أم بأجهزة التلفزيون؟ فاختار أكثر من نصف العينة التلفزيون!
آخر الكلام: كم من المعلومات «المسمومة» التي تتدفق على العقل العربي، لم أسمع حتى الآن أن موقعاً يسمى «الناطق الرسمي» يتجاوب معها بكفاءة وسرعة. عادةً يأتي النفي بعد أن يكون الآخر قد استطاع «زرع الشكوك»!
تعليقات