على السلطة أن تعي خطورة ما أوصلتنا إليه من تفكك وتفتيت - يكتب حمد الأنصاري محذرا

زاوية الكتاب

حمد الأنصاري 1089 مشاهدات 0


في جميع دول العالم يأتي مفهوم المواطنة ليذيب الفروقات بين مكونات المجتمع الواحد، ويضعهم سواسية أمام القانون ومؤسسات الدولة، فلا تمييز بين المواطنين حسب الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين، وهذا ما حاول الآباء المؤسسون ترسيخه في المجتمع، من خلال تثبيته في الدستور عبر المادة 29، التي جاء نصها كالتالي: «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين»، ولا يخفى على أحد بأن هناك من يعتقد بأن الدستور ليس سوى خطأ تاريخي قام به المغفور له الشيخ عبدالله السالم، وقد حاولت تلك الأطراف مراراً وتكراراً التراجع عن هذا الدستور، سواء عبر الانقلاب عليه وتعطيل مواده كما حدث في العام 1976 والعام 1986، أو تفريغه من محتواه عبر العديد من القوانين التي تحد من حريات الشعب وتنتقص من مكتسباته الدستورية.

على الرغم من كل تلك المحاولات الحثيثة للانقضاض على الدستور والمكتسبات الشعبية، سواء عبر تزوير الانتخابات أو اقرار قوانين مقيدة للحريات أو الانقلاب على الدستور، إلا أن أخطر الأسلحة التي استخدمتها السلطة في محاولاتها للانتقاص من المكتسبات الدستورية هو سلاح تفتيت المجتمع عبر استخدامها سياسة فرّق تسد، فقد تعمدت الحكومة إعادة توزيع الدوائر الانتخابية وتفتيتها من عشر دوائر إلى خمس وعشرين دائرة في العام 1980، وذلك أثناء فترة الانقلاب على الدستور وتعطيل الحياة النيابية، فرسخ ذلك التقسيم العديد من الظواهر السلبية في العملية السياسية كنواب الخدمات، والاصطفافات القبلية والطائفية وشراء الأصوات، وقد دعمت الحكومة هؤلاء النواب أو المرشحين ففتحت لهم أبواب الوزارات لتخليص المعاملات وتوظيف من يعز عليهم، فأصبح الأساس هو استخدام الواسطة للحصول على الحقوق، والاستثناء هو تطبيق القانون واعطاء كل ذي حق حقه.

ذلك النهج وتلك السياسية أدت لتفكيك المجتمع وتمزيقه لمكوناته الاجتماعية الصغيرة؛ كالعائلة والقبيلة والطائفة، وأصبحت تلك المكونات هي أساس الاصطفاف السياسي في الانتخابات البرلمانية، فبدلاً من تطوير العمل الديموقراطي والارتقاء به ليكون أساس الانتخاب هو البرنامج أو الرؤية التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن، بات أساس الانتخاب هو الاصطفاف القبلي أو الطائفي أو المصلحي، فجاءت الانتخابات الفرعية كنتيجة لهذا الوضع السيئ، فالقبيلة تنتخب ممثلاً لها عبر انتخابات فرعية، وعلى الرغم من تجريم تلك الانتخابات قانونياً، إلا أنها ما زالت تمارس حتى يوم كتابة هذا المقال وأمام الجميع من دون أن يدان شخص واحد، ولكن بعيداً عن القانون الذي لا يطبق... تلك الانتخابات الفرعية أو التشاورية ظلمت العديد من أبناء القبائل ممن يملكون الفكر والحس الوطني بسبب صغر فخذهم في القبيلة، فأساس الانتخاب - حتى في الفرعية ـ هو الاسم الأخير للمرشح وليس البرنامج والفكر.

لقد استشرت ظاهرة الانتخابات الفرعية في الكويت وظلم بسببها من ظلم، حتى جاء الحراك الشعبي ضد الفساد ليرفع الوعي عند أبناء القبائل، وجاءت النتيجة المبشرة بالخير تحديداً في انتخابات فبراير 2012، على الرغم من كثير من سلبيات ذلك المجلس، حيث قال الشباب كلمته فأسقط مرشحي الانتخابات الفرعية واختار من يراه مناسباً لعضوية مجلس الأمة، فكان الاساس في الاختيار لمن يقف ضد الفساد وليس من تزكيه الفرعية، تلك الصحوة النسبية عند الناخبين كانت أحد الأسباب الأساسية لفرض مرسوم قانون الصوت الواحد المجزوء، فقد أزعج السلطة فقدانها السيطرة على ذلك المجلس، على علاته، وتغيير قواعد اللعبة الانتخابية، فجاء ذلك المرسوم بالقانون ليقسم المجتمع أكثر مما هو مقسم ويفتت ما كان بالأساس مفتتاً، فعادت الانتخابات الفرعية للواجهة، بل وبصورة أبشع لتقسم أبناء القبيلة الواحدة، فأصبحنا اليوم نرى إعلانات انتخابات فرعية داخل الفخذ الواحد، والنتائج تعلن بشكل رسمي على مواقع التواصل الاجتماعي.

في الختام، لم تأت تلك الظواهر السلبية بالصدفة بل هي نتاج عمل من قوى الفساد والافساد لتفكيك المجتمع وإضعافه، ومحاربة تلك الظواهر والقضاء عليها ليس بالأمر المستحيل، لكنه بحاجة لعمل دؤوب لرفع الوعي وترسيخ مبدأ المواطنة الدستورية المتساوية؛ وهي مهمة الطليعة السياسية الوطنية، كذلك على السلطة أن تعي خطورة ما أوصلتنا إليه من تفكك وتفتيت، خصوصاً في ظل الاوضاع الاقليمية المضطربة، وحاجتنا الماسة لتوحيد الصف وتقوية الجبهة الداخلية، وهو ما يحتاج إلى قرار سياسي... فهل ستكون السلطة على مستوى هذه المسؤولية؟

[email protected]

twitter: @h_alansari

تعليقات

اكتب تعليقك