حامد الحمود يكتب.. ليكون هناك لـ«البدون» أمل
زاوية الكتابكتب د.حامد الحمود سبتمبر 29, 2018, 10:50 م 3606 مشاهدات 0
القبس
ليكون هناك لـ«البدون» أمل
د. حامد الحمود
هل من الممكن أن تنبهنا- نحن الكويتيين- وفاةُ الطبيب المميز طلال الشمري من فئة البدون، إلى مراجعة القوانين التي شرعتها الدولة للتعامل مع أبناء هذه الفئة. فنحن أمام حالة إنسانية تميزت بالرغم من الظروف الاقتصادية والاجتماعية، فأن تصبح طبيباً وأنت من فئة البدون، لا بد أن يكون لديك صبر وقدرات استثنائية. وأن تعمل طبيباً براتب متواضع لأنك من فئة البدون لا بد أن يكون لديك انتماء قوي لهذا الوطن. فهذا الطبيب الذي انتقل إلى رحمة الله أثناء عمله في مستشفى الجهراء لن تكون له لا حقوق ولا ضمان اجتماعي. إن كان طلال الشمري قد سمعنا عن مأساته لكونه طبيباً، فهناك معاناة مختلفة ومتنوعة بقدر عدد «البدون». بعضها للحصول على إجازة سيارة، وبعضها للحصول على عمل وآخر للحصول على إذن بالسفر.
هذا ولا بد من التوضيح أن القوانين التي شرعتها الدولة للتعامل مع فئة البدون، كان لها ظروف استثنائية. فقد صدرت بعد غزو واحتلال وتحرير. كانت قوانين قاسية بقسوة التجربة الكويتية. ففجأة وجد «البدون» أنفسهم في موضع شك واتهام بعد أن كانوا يعاملون معاملة الكويتيين حيث كانت المدارس والجامعات مفتوحة لأبنائهم. وكثير منهم كان يعمل في السلك العسكري في الجيش والشرطة، إضافة إلى شركات النفط. هذا وإن كان الكثير منهم قد هاجر أو رجع إلى وطنه، فإن من بقي هم من يتميزون بولاء وانتماء قويين لوطنهم الكويت.
وكان متوقعا أن يتم تجنيس دفعات من فئة البدون الذين كان لهم سجل قبل عام 1965 على دفعات، والذي لم ينفذ بالرغم من قلة العدد النسبي الذي تم اقتراح تجنيسه سنوياً والذي يقل عن أربعة آلاف. هذا وأعتقد أن غالبية الكويتيين ليسوا على اطلاع كافٍ على الظروف الصعبة التي تعيشها فئة البدون. كما أن دراسة وضعهم الاجتماعي والاقتصادي مغيب في المجال الأكاديمي بالرغم من أهميته. فيبدو أن تسليط الضوء على الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهونها كل يوم، من خلال أبحاث ميدانية لا تشجع عليه في جامعة الكويت أو الجامعات الأهلية الأخرى. فمنذ حوالي 27 سنة، ونحن في وضع اجتماعي وسياسي يحثنا ضمنياً على تجاهل الخوض في مناقشة الأحوال والقوانين التي تنظم حياة ومستقبل هذه الفئة الاجتماعية. كما أن كثيراً من الكويتيين ليس لهم علاقات مباشرة مع أفراد هذه الفئة.
كما ذكرنا، فإن القوانين التي نظمت حياة «البدون»، إن كان كيف يعملون أو يحصلون على شهادة ميلاد، أو يسافرون، ثم تشريعها في ظروف كان فيها الكويتيون يعيشون حالة من الانفعال بسبب تجربة الغزو والاحتلال والتحرير. لكن قد مضى أكثر من عقدين من الزمان، ولقد تغير العالم والمنطقة منذ تلك الفترة. فقد مر العراق بغزو وحروب أهلية. ومنذ عام 2011، وكثير من الدول العربية تحاول أن تضمد جراح الحروب الأهلية. ملايين من البشر من سوريا وغيرها انتقلوا إلى لبنان والأردن وتركيا. ألمانيا وحدها استقبلت حوالي مليون لاجئ سوري. هذه الأحداث والمآسي لا بد أن يكون لها أثر على وعي وتوجهات البشر. وربما توفر ارضية لمراجعة ما تم بشأنهم. وأود أن أشيد هنا بما نشره الزميل علي البغلي تحت عنوان «نريدها دولة إنسانية» بتاريخ 23 سبتمبر، مناشداً فيه وزير الصحة أن يتفهم ظروف المرحوم طلال الشمري وأن يعوض اهله بكرم. لكن أرى أن اهم ما يصبو إليه «البدون» هو أن نعيد الأمل إلى اطفالهم وأن تُعطى الفرصة لتحقيق أحلامهم. وأن يكافئهم المجتمع على ولائهم وتفوقهم بتحقيق رغبتهم بالانتماء لهذا المجتمع.
رؤيتنا وأحكامنا وفهمنا للأمور تشكلها الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في وقت ما. وعادة ما تتغير بتغير هذه الظروف. وأرى أن المجتمع الكويتي قد وصل من الثقة بنفسه ليكون أكثر تفهما لوضع البدون وتعاطفا معه. وعسى أن يكون أكثر استعداداً لتصور معاناتهم الإنسانية. لذا فإن المجتمع والدولة بحاجة الى أن يراجعا أحكامهما والتشريعات المنظمة لإقامتهم وعملهم، وإلى ضمهم بطريقة ما إلى هذا الوطن. فكيف نسمح بمعاناتهم في تدريس أبنائهم، ونفتح مدارس خارج الكويت. فعلينا أن نزرع الأمل في نفوس أطفالهم، وأن نحفزهم على التفوق.
لقد كان المرحوم طلال الشمري متفوقاً ومحبوباً وطيباً. فكيف نزرع الأمل لدى الأطفال والتلاميذ المتفوقين من هذه الفئة الاجتماعية الذين يصبون الى متابعة مسيرته، إن كانت فرصتهم ومكافأتهم في العمل تسببان السأم لا التفاؤل. فقد يتمكن البعض من أفراد هذه الفئة من تدريس ابنه وابنته. وقد يتمكنون من نيل الشهادات العالية لكن ماذا بعد ذلك. ربما آن الأوان ليراجع المجتمع الكويتي نفسه ليزرع فيهم الأمل. الأمل في نيل حياة كريمة إضافة إلى نيل شهادة دراسية.
تعليقات