المحامون حماة القانون.. بقلم مصطفي الصراف

زاوية الكتاب

كتب مصطفي الصراف 953 مشاهدات 0

مصطفي الصراف

القبس

المحامون حماة القانون

مصطفي الصراف


المحامون هم حملة المصباح الذي ينير طريق العدالة لإحقاق الحق، فهم القضاء الواقف للدفاع عن الحق في قاعات المحاكم، وهم حملة راية الحق والديموقراطية في الحياة العامة، وهذه الصفة سعت إليهم بسبب تكوينهم الثقافي والعلمي، فالمحامون هم خريجو كليات الحقوق أو الشريعة، حيث تشربت عقولهم بالنظريات القانونية والشرعية وفلسفتها، وصقلت فيهم روح النخوة ليتصدوا بشجاعة في الدفاع عن الحق ومبادئ العدل والإنصاف، ويتميز المحامي عن القاضي بأنه حر طليق يتحرك من دون قيود، على عكس القاضي الذي يجب عليه أن يلتزم الحياد وألا يقضي إلا من خلال ما هو مطروح أمامه من أدلة وأسانيد في ملف الدعوى ويلتزم الابتعاد عن الحياة العامة، وألا يكون مسيساً بما يخرجه عن حياده.

لقد كتب الزعيم الوطني مصطفى كامل لأخيه يبرر رغبته في الالتحاق بمدرسة الحقوق، فقال في خطابه المؤرخ 12 يوليو 1891 «آمل أن تعود إلى القوة لأدخل مدرسة الحقوق الخديوية، فقد عزمت على الانضمام إلى صفوف طلابها لأنها مدرسة الكتابة والخطابة ومعرفة حقوق الأفراد والأمم»، وبناء على ما تقدم يمكن تعريف المحامي بأنه: «من اتخذ مهنة له إنارة طريق العدالة أمام القضاء، بإظهار الحقائق لتبرئة البريء ونصرة المظلوم، وفي رعاية مصالح الناس، إسهاماً منه في بناء المجتمع الديموقراطي الأفضل»، ويتجلى دور المحامين في بناء دولة الحق والقانون على سبيل المثال في ثلاثة ميادين مهمة، هي ميدان السلطة القضائية، وميدان السلطة التشريعية، وميدان السلطة التنفيذية، والسياسة العامة.

وسأتناول في هذه المقالة فقط دور المحامي أمام السلطة القضائية:

بما أن القاضي أثناء نظر الدعوى مقيد بما يطرح أمامه من أدلة وأسانيد وفقاً لمبدأ حياد القاضي، ويمتنع عليه أن يقضي بعلمه متقيداً بالأوراق التي يحتويها ملف القضية، وقد لا تكون أوراق الدعوى قد أحاطت بكل جوانب القضية، على الرغم من الاستجواب الذي يجريه القاضي في حدود صلاحياته القانونية، ومن هنا تبرز أهمية الدور الذي يقوم به المحامي في الدعوى، حيث يتحرك بكل حرية خارج أوراق ملف الدعوى بإجراء بحثه وتحرياته الخاصة لكشف كل جوانب القضية وتقديم المزيد من الأدلة، أو إبطال بعض ما قدم فيها متى كان لا يمثل الحقيقة القانونية والاستعانة بالشهود، فينير الطريق أمام القاضي بكشف الجوانب الغامضة أو الخفية في القضية، فالمحامي بحنكته وخبرته هو ربان القضية، فهو الذي يشق طريقها ويسيرها بما يقدمه من حجج وبراهين أمام القاضي فيظهر وجه الحقيقة فيها. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فإن دور المحامي لا يقف عند إبراز وقائع القضية فحسب، بل ويجتهد في البحث في بطون المراجع القانونية ومدونات القانون ويستظهر أحدث النظريات القانونية التي قال بها الفقه ويعرضها أمام القاضي، فيوسع بذلك دائرة الاجتهاد القضائي، ما يؤدي إلى بروز مبادئ قضائية مواكبة لتطور الحياة وقضاياها المستجدة أبداً. فالمحامي يساهم مساهمة فعالة ببحثه وعلمه القانوني في إرساء المبادئ القضائية.

كما أن المحامي من خلال عمله يستطيع أن يضع يده على جوانب القصور في القانون، ويبرزها، وكم من مبادئ قضائية قد عدل عنها القضاء وأرسى خلافها اجتهاداً لمعالجة قصور في قانون ما، أبرزه المحامون من خلال ممارستهم وتعاطيهم العمل به يومياً، فيكون إشارة إلى أهمية تعديل القانون لمعالجة ذلك القصور في التشريع، ودور المحامي أمام السلطة القضائية لا يقف عند قاعة المحكمة فحسب، بل يتجاوزه إلى النظام الإداري داخل السلطة القضائية، فالمحامون يمارسون دوراً رقابياً على ما يقوم به المعاونون القضائيون من كتبة وخبراء، يتلمسون مواطن الخلل في ما يتبع من إجراءات إدارية تؤثر على تعطيل الفصل في القضايا بما يلحق الضرر في المتقاضين من الناس، ويعملون على تطوير تلك الإجراءات لتوفير راحة المواطنين، سواء فرادى، أو من خلال نقابتهم، ولقد كان، وما زال، لجمعية المحامين الكويتية باع طويل في ذلك، ولكن المؤسف هو ما حدث أخيراً فيما قام به عدد من المحامين ومندوبيهم وعدد من المعاونين القضائيين من إخفاء ملفات القضايا المتداولة لمنع القاضي من إصدار حكمه فيها، وهذا لا شك انحراف واستثناء من الالتزام المنوط بالمحامين، وقد شجعت عليه الفوضى الإدارية التي انتشرت في أروقة بعض المحاكم، سواء لدى بعض الموظفين، أو على مستوى التنظيم والرقابة على الملفات، ونهيب بالسيد وزير العدل بتوجيه جل اهتمامه إلى وضع نهاية لذلك، لأن العدل أساس الملك.

تعليقات

اكتب تعليقك