التوجه إلى الشعبوية والقومية الانعزالية يهدد النظام العالمى بالخلل.. يكتب د. محمد الرميحي

زاوية الكتاب

كتب د. محمد الرميحي 774 مشاهدات 0


تعاظم انتشار الفكر القومى والروح الشعبوية بين عدد كبير من قادة الغرب، وقد راقت تلك الافكار لجماهير ليست قليلة فى تلك المجتمعات ، وانتجت تلك القيادات التى تتكاثر اليوم . التوجه الى الشعبوية والقومية الانعزالية يهدد النظام العالمى بالخلل، وهو خلل يصيبنا نحن فى البلاد العربية والشرق الاوسط بالكثير من الازمات المحتملة، ويؤثر على النظام الاقليمى العربى وعلى الاستقرار فى اوطاننا.

النظام العالمى كان قائما على ثلاثة مرتكزات مهمة، وهى أولا التجارة الحرة بين الأمم، والمضبوطة باتفاقات دولية محترمة ومنفذة من الجميع، وثانيا نظام عسكرى دولى أساسه حلف الأطلسى وتحالفاته الدولية، وثالثا نظام تبادل معلومات استخباراتية منضبط، يتوقع المخاطر ويتبادل المعلومات.

هذه الدعامات الثلاث عًومت النظام العالمى ومررت الأزمات الكبرى التى صادفته بنجاح، سواء أزمات سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، وأصبح العالم أكثر أمنا واستقرارا.

اليوم الوضع العالمى يختلف، فبسبب تلك الشعبوية والتفكير القومى الانعزالي، تتعرض كل الدعامات الثلاث الى الاهتزاز، بل والتآكل. النقاش الكبير الذى يجرى فى امريكا اليوم هو جزء من القلق على النظام العالمي، ولماذا أمريكا؟ لانها البلد الكبير والأكثر حيوية وتأثيرا فى النظام العالمي، ولكن الامر لا يتوقف هناك، بل تسير بعض دول اوروبا فى ذلك التوجه المؤدى الى الانحسار فى الداخل وشبه القطيعة مع الخارج .

منتقدو ذلك التوجه فى الغرب يتخوفون من أن أى ازمة عالمية قادمة لن تجد الارضية المهيأة لمواجهة نتائجها. فى الأزمة الاقتصادية الكبرى عام 2008 تكاتفت أولا المنظومات السياسية الأمريكية، أى الحزيين الكبيرين، من أجل التوافق على حزمة إجراءات انقذت ليس الاقتصاد الامريكى بل والعالمى من الانهيار، وكان من نتائجها ما عرف بمنظومة الدول العشرين، التى ساهمت فى رأب صدع الخلل الاقتصادي، ولكن الاهم كان هناك توافق سياسي. فى الوضع الحالى فان المجتمعات الغربية بما فيها المجتمع الامريكى السياسي، منقسم بشدة على نفسه، وأى ازمة كبرى لن تجد لها، وبنفس السرعة الاستجابة التى تستحق.

بعض الخبراء يتوقعون ان تصيب الازمة القادمة ما يعرف بـ «التجارة السيبيرية» أى التجارة المعتمدة على الانترنت، ووصل الأمر إلى أن يقول أحد الخبراء الاقتصاديين المرموقين، انه يمكن نظريا ان تصحو فى يوم وتنظر الى حسابك الشخصى فى البنك ، فتجد أنه أصبح صفرا.

لم يعد ذلك الأمر خيالا محضا، بل تباشيره اصبحت معنا اليوم فسرقات المال والأفكار والأسرار من خلال الانترنت أصبحت هما لدى الكثير من الدوائر المطلعة، وقد صُعد النقاش حتى فى كواليس الامم المتحدة، و دق جرس الإنذار ، ان لم تفعلوا شيئا مهما وسريعا، فان النظام العالمى كما عهدناه باتجاه التفكك.

ماذ يعنى فى اطار الشرق الاوسط، يعنى ان القوى الكبيرة فى الشرق أو المتوسطة فى المحيط ( مثل تركيا وايران و اسرائيل) قد تفتح شهيتها للتوسع والهيمنة، فاسرائيل تحتج على تسليح الميليشيات الايرانية من خلال استخدام السلاح، وايران تتوسع فى الجوار فى العراق وسوريا ولبنان واليمن دون رادع دولى واضح وحاسم، وتجتمع روسيا وتركيا وايران من اجل النظر فى كل شئون سوريا، تلك المظاهر السياسية، هى نتيجة تفاعلات ضعف النظام الدولى وخلخلة قواعده القديمة، والتى بنيت بعد جهد دولى وتضحيات ضخمة.

المنطقة العربية ان لم تفكر بجدية فى بناء نظام عربى جديد وفعال، على الاقل لتقليل الشرور وتعظيم المنافع، فان أمورا كثيرة قد تسير تحت الجسر دون الالتفات اليها, بصيص من أمل المحور العربى ظهر أخيرا فى مكانين، الأول هو الكويت التى استضافت رؤساء الأركان لجيوش دول الخليج ومصر والاردن والولايات المتحدة، وهى خطوة مهمة على طريق بناء النظام الإقليمى الجديد، والخطوة الثانية هى احتضان المملكة العربية السعودية اتفاقية سلام بين إثيوبيا وإرتيريا، وهما دولتان محوريتان وجارتان لعدد من الدول العربية، فالسلام هناك والتوجه الى حل المشكلات العالقة، يعنى تأمين الخلفية التى تحيط بالمجموعة العربية.

تلك خطوتان يحتاجان بعد ذلك لوضع ملف المتغيرات الدولية وتأثيرها على الاقليم العربى على الطاولة والحديث والتشاور العربى الجدى والسريع لإكمال المسيرة، لأن التطورات العالمية قد تفاجئنا بما هو غير متوقع.

تعليقات

اكتب تعليقك