حسن جوهر يكتب.. الحسين... طيف من أرض الطف!
زاوية الكتابكتب د. حسن جوهر سبتمبر 17, 2018, 10:42 م 671 مشاهدات 0
الجريدة
الحسين... طيف من أرض الطف!
د. حسن جوهر
في ذكرى عاشوراء لا بد من وقفة تأمل على أعتاب الطف نسترجع بها طيفاً من عطايا الإمام الحسين بن علي "عليه السلام" التي تتجدد مع كل جديد، وتلهم العقول بأسرار تحولات الزمان، وترسم الإجابة على مدلهمات الدهور لتسهّل العسير وتستصغر الأهوال وتسخر من استعراض القوة والجبروت، وتهزم جحافل الغرور المصطنع، وتسطر مجداً رغم أنف الظلم والاستبداد، يبقى مخلداً في النفوس الأبية وناصعاً في الأفئدة الحرة، وتوقد في الوجدان قيم الحق والكبرياء والشهامة لتنتظر يومها الموعود وعلى يد من يستحق لإعادة إرسائها قولاً وفعلاً إرضاءً لضمير الإنسانية.
نهضة الحسين "عليه السلام" في كربلاء لم تستغرق سوى سويعات قليلة في عالم الزمن اللامحدود والمتسارع بالمحطات والأحداث والمواقف والأقوال وتعاقب الأمور بحيث قد تبتلع إمبراطوريات شامخة بكل تفاصيل مجدها في لمح البصر فتتحول إلى ذرات متناثرة في فراغ الكون فلا يرى سوى غبارها عبر تسليط الضوء عليها، إلا أن تلك البرهة الزمانية القصيرة باتت تتحدى قوانين الطبيعة وتتجدد رغم نواميس الحياة وقاعدتها بحتمية عدم رجوع عقارب الوقت إلى الوراء.
فأين مكمن السر يا سيدي في هذا الإعجاز؟ وكيف تتجسد ذكراك بنفس حرارتها وزهوها وشموخها وأدق تفاصيلها عاماً بعد عام، لا يتغير منها سوى اتساع دوائرها وانتشار مداها وعلو شأنها وتعاظم أثرها؟ وهل يمكن لقطرات من الدماء أن تتحول إلى سيل يفجر ينابيع الفكر والأدب والشعر والبلاغة والخطابة لتجمع بين المتناقضات كالشجاعة والمظلومية والدمعة والبطولة والانكسار والانتصار والموت والحياة؟ وماذا صنعت يا أبا عبدالله حتى تتقزم كل الأهوال أمام مصابك وتتصاغر كل المصائب عند رزيتك وتزول الآلام في مقابل جرحك النازف؟
هذه المشاعر لم تكن ولن تكون مجرد عواطف وجدانية تتلاعب على أوتار الإحساس القلبي رغم تلقائية اللوعة والحزن، لكنها تترجم الواقع بكل معانيه ولعل في كل زمان ومكان، وهنا يستقر السر الحسيني، فمتى ما وجد الظلم كانت صيحة الحسين "عليه السلام" له بالمرصاد، وأينما تربّع الجور على عروش الجبابرة فلا ينعم بملذاته باستمرار قيم الحسين "عليه السلام"، وكلما خُدِشت إنسانية البشر واستبيحت حرية الكلمة والإرادة والعزة والكرامة انبرت لذلك مواقف الحسين "عليه السلام" تواسي المضطهدين وتمسح على رؤوس الأيتام وتبعث السلوى في القلوب المنكسرة وتشد من أزر المستضعفين وتقوي عزيمة أصحاب الحق وتنير درب البسالة مهما بلغت درجة العتمة فيه.
فالحسين "عليه السلام"، كموقف ورأي، سخر من الجلاد واستصغر تهديده ووعيده، ولم يعبأ بجيوشه وسيوفه، ولم يهَب الموت وإراقة دمه شريف، وقدم نفسه الزكية قرباناً للمبدأ، تلك النفس التي لا بد أن تغادر الجسد يوماً، فغادرها بإرادته، لكن هذه النفس أيضاً غادرت أجساد قاتليه وظالميه رغماً عنهم من بعده، وكانت النتيجة أن بقي الحسين "عليه السلام" حياً خالداً بينما انطمس ذلك الظلم والجور للأبد بموت أربابه، فسلام عليك يا مولاي وعلى الأرواح التي حلت بفِنائك وأناخت برحلك أبداً ما بقي الليل والنهار.
تعليقات