أحداث المنطقة العربية الدامية لم تنجح في تغيير خريطة العالم الإسلامي ولكنها نجحت في نشر العداء الطائفي.. هكذا يرى حسن جوهر
زاوية الكتابكتب د. حسن جوهر أغسطس 16, 2018, 10:43 م 3616 مشاهدات 0
الجريدة
طائفية التومان والليرة!
د. حسن جوهر
في تناقض صريح وجديد انقسمت الآراء والمواقف تجاه الحرب الاقتصادية الأميركية على كل من إيران وتركيا، والذي أدى إلى تراجع قيمة التومان الإيراني والليرة التركية بقوة أمام الدولار الأميركي، ومع كل أسف، وفي توجه طائفي واضح، تشكلت المواقف والتصريحات والتغريدات وفق الهوى المذهبي تجاه البلدين المسلمين، وفي تدحرج هذا الحس الطائفي بدءاً بالأحداث العسكرية في المنطقة وردود الفعل السياسية تجاه أنظمة الحكم في دولها، وأخيراً حتى في البعد الاقتصادي، يستغرب أن يركب هذه الموجه أيضاً النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي ورجال الاقتصاد ومشايخ الدين.
الفريق الذي هلّل بسقوط التومان الإيراني ورآه مستحقاً ومؤشراً لاهتزاز النظام استنفر بالدعاء وطرح حلول عملية وفزعة شعبية لمواجهة انهيار الليرة التركية، وفي المقابل فإن الفريق المتعاطف مع التومان بدأ بطرح البدائل لمواجهة المؤامرة الأميركية، وفي الوقت نفسه رأى أن إضعاف النظام التركي اقتصادياً مسألة مستحقة سياسياً.
هذه المفارقة تذكرني بسلسلة المقالات والدراسات التي أعدها ونشرها برنالد لويس منذ الألفية الحالية، وبرنالد لويس أستاذ جامعي في علم السياسة، ومن المقربين من دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة وذو ميول صهيونية متطرفة، وقد أعد مشروع تقسيم منطقة الشرق الأوسط وتفتيت أهم دولها، وفي مقدمتها السودان وسورية والسعودية ولبنان والعراق بالإضافة إلى إيران بناءً على معايير إثنية وطائفية، تمهيداً لما سماه بقيام إسرائيل الكبرى، وهو المشروع الذي تبناه الكونغرس الأميركي.
وفقاً لنظرية لويس فإن أهم متطلبات نجاح هذا المخطط هو ما سماه "تفجير الألغام الطائفية بين السنّة والشيعة"، حيث لا يمكن للمنطقة العربية أن تضعف وتتهاوى دون خلق حالة من العداء الشديد بين الشيعة والسنّة وترجمته إلى صدامات مسلحة، وسياسات منهجية قائمة على التهجير والإلغاء، وإعادة التخندق في كانتونات مذهبية وعرقية ذات حدود جغرافية مرسومة.
شخصياً لا أؤمن بنظريات المؤامرة، ولكن هذا لا يعني بتاتاً غياب الدراسات والسياسات الناقمة على منطقتنا ومحاولات تفتيتها والتحكم فيها، ولكن أن نتحول إلى أدوات، بجهل أم بدراية، لتسهيل مثل هذه المشاريع الخبيثة، فهنا تكمن الطامة الكبرى.
أحداث المنطقة العربية الدامية منذ عقد من الزمن لم تنجح، رغم الدمار الكبير والدماء الغزيرة النازفة في تغيير خريطة العالم الإسلامي، ولكنها طبقّت أمرا واحدا، وهو مشروع برنالد لويس في نشر العداء الطائفي.
عوداً إلى التومان والليرة، فإن العجب العجاب أن تركيا وإيران اتفقتا على مواجهة خصم واحد، وتعهدتا بالتعاون الاقتصادي اللا محدود انطلاقاً من مصير مشترك، ولكننا نستمر نيابة عن الطرفين بالتقاذف والتناحر والشماتة وكأننا نملك ثروة قارون من التومان أو الليرة!
تعليقات