إلى مكتب الإنماء الاجتماعي.. رسالة يوجهها عبد اللطيف بن نخي

زاوية الكتاب

كتب 1205 مشاهدات 0

د. عبد اللطيف بن نخي

الراي

رؤية ورأي- إلى مكتب الإنماء الاجتماعي

د. عبد اللطيف بن نخي

 

في شهر رمضان قبل ثلاث سنوات تقريباً، أثناء أداء صلاة الجمعة، فجر داعشياً حزامه الناسف في مسجد الإمام الصادق عليه السلام، فقتل 26 شهيداً وجرح 227 صائما مصليا في بيت من بيوت الله.

مقارنة بالأعمال الإرهابية السابقة التي استهدفت الكويت، تميزنا في هذه الأزمة في تصدينا لتبعات الجريمة في العديد من الأبعاد، كالأمني والإعلامي والاجتماعي. ولا أبالغ إن قلت إننا تفوقنا على أنفسنا، وتعاملنا مع الأزمة بجدارة وحرفية قاربت كفاءة الفرنسيين في احتوائهم للسلسلة المتزامنة من الهجمات الداعشية التي استهدفت مواقع متعددة من عاصمتهم باريس، بعد أشهر قليلة من استهداف الكويت.

وحيث إننا كنا نعلم أن الكويت كانت معرضة للمزيد من الهجمات الإرهابية، سواء بتفجيرات تقطع أجساد الأبرياء، أو بفتن تنهش جسدنا الاجتماعي، لذلك اجتهدنا في حماية وتعزيز لحمتنا الوطنية. فحرصنا على تعجيل ترميم المسجد، وافتتاحه في الذكرى الأولى للفاجعة. وحضر سمو الأمير احتفالية إعادة افتتاحه وصلى فيه. كما ساهمت وزارة الاعلام بالعديد من الأنشطة والفعاليات المرتبطة بالفاجعة وبافتتاح المسجد.

في الذكرى الثانية للفاجعة، تبنت إحدى شركات الاتصالات المتنقلة الكويتية إعلانا تجاريا، تميز بمعالجة فكرية جذرية لثقافة الإرهاب الداعشي، من خلال الاستعانة بالسيرة النبوية وبمبادئ الاسلام المحمدي. وقد أشدت في حينه بالإعلان عبر مقال عنوانه «لنفجر!». وناشدت فيه القائمين على مكتب الإنماء الاجتماعي وجميع الجهات المعنية بتشكيل وتقويم ثقافة المجتمع، دراسة وتحليل الإعلان للاستفادة منه في تطوير قدراتها الإنمائية الاجتماعية.

لم اتفاجأ عندما علمت أن هذا الاعلان التجاري تخطى الحدود الكويتية ليكون عالميا، حيث أصبح محل اهتمام العديد من القنوات الفضائية العالمية كقناة CNN الأميركية، والصحف العالمية كـ «الغارديان» البريطانية.

في شهر رمضان من هذا العام، قدمت شركة الاتصالات المتنقلة نفسها، إعلانا تجاريا حضاريا آخر يسلط الضوء فيه على معاناة الأطفال في الحروب وفي ساحات الاقتتال، عارفا في هذه المرة أن إعلانها سيكون عالميا، وسيراه مئات الملايين من شعوب العالم... قدمت الاعلان في صورة رسالة شفهية من الأطفال الضحايا، حملها أحدهم إلى عدد من الرؤساء المعنيين مباشرة بوقف الحروب القائمة ومنع المحتملة منها وتخفيف معاناة ضحاياها.

لذلك لم يكن مستغربا أن يبدأ الطفل الضحية بمخاطبة الرئيسين الأميركي والروسي، محملا كليهما ضمنا مسؤولية وقف الحروب في الشرق الأوسط، في دعوته لهما للإفطار في بيته، إن وجدوه في الدمار، وإن عادت أمه بالخبز، فلا يوجد في بيتهم ما يؤكل، وأبوهم مقعد لا يستطيع الخروج.

ثم يشكر ضمنا رؤساء الدول الأوروبية - أرض الأحلام - التي استقبلت المهاجرين من مناطق الاقتتال، ويطالبهم بالمزيد من الجهود لجعل معاناة الاطفال قضية رأي عام عالمي. فالأطفال الذين حمّلوه رسالتهم لا ينامون، وكلما أغمضوا عيونهم يسمعون صوت انفجار، وتشتعل أسرتهم، ويخرج عليهم الخوف من كل صوب وناحية، ويغيب عنهم الفرح، وتحيط بهم الدماء فتبدو ألعابهم كما لو أنها تنزف. ويحكي معاناتهم إلى رئيس كوريا الشمالية المقبل على لقاء الرئيس الأميركي من أجل تخفيف احتمالات الحرب في شبه الجزيرة الكورية.

ثم يعرج الطفل إلى أزمة الروهينغا الهاربون المبعدون من بورما، المهددون بالإبادة العرقية بسبب عقيدتهم ونطقهم الشهادتين، مطالبا ضمنا الأمم المتحدة - عبر أمينها العام - بالمزيد من الجهود الايجابية.

وينهي رسالته بخطاب متفائل، كله ثقة بالله السميع القدير، يبلغ فيه الرئيس ترامب، الذي أقر انتقال السفارة الأميركية إلى القدس عاصمة لإسرائيل، أننا سنفطر في القدس عاصمة لفلسطين، وإن ظلت هذه الأمنية عالقة لسنوات طويلة.

للأسف البعض اختزل الاعلان في شقه الأخير، المتعلق بقضية القدس، فاتخذ موقفه السلبي منه وفق فهمه الخاطئ لما طرح فيه. لذلك ألفت انتباههم إلى جزئيتين متقابلتين، الأولى هي أن الإعلان لم يتطرّق إلى مصير إسرائيل، واكتفى بتجديد المطالبة بقيام دولة فلسطين عاصمتها القدس. والثانية هي أن الإعلان استثمر في ذات الجانب الإنساني الذي يستهدفه منظمو احتجاجات أطفال الحجارة ضد اسرائيل.

في ختام مقالي، أكرر مناشدتي إلى مكتب الإنماء الاجتماعي، للاستفادة من الإعلانين المتميزين لشركة الاتصالات المتنقلة، نسختي شهري رمضان: الحالي والماضي، اللتين شاهدهما مئات الملايين. فالإعلانان يمزجان التميّز الفني بالقيم الحضارية الإنسانية الأممية، نتمنى أن نرى مثليهما من مكتب الإنماء الاجتماعي... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه».

الراي

تعليقات

اكتب تعليقك