الحرب الباردة بين العرب و إيران

عربي و دولي

1358 مشاهدات 0


جمع الجوار الجغرافي بين العرب والفرس منذ فجر التاريخ الإنساني فتبادلوا التجارة والعادات والمفردات اللغوية ، كما جمعهم التاريخ منذ عهد قورش الكبيرCyrus ومن بعده  ابنه قمبيز الذي وضع العرب بجمالهم في مؤخرة جيشه عندما فتح مصر عام 532 ق.م ، كما جمعهم الدين الإسلامي الحنيف منذ عام 635م.  ثم عادت هذه  القواسم  نفسها من جغرافيا و تاريخ و دين لتكون عوامل للتوتر بين القوميتين. فاختلفنا في الجغرافيا على القومية والشعوبية والحدود والجزر وحتى على أسم الكتلة المائية التي تجمعنا،كما امتلأ تاريخنا الحديث بصدامات مرة لعل أخرها الحرب العراقية الإيرانية التي تحمل صفة أطول حرب في القرن العشرين ،و تحول الدين إلى مذهبية وطائفية مقيتة.

وفي دراسة قيمة نشرت يوم الأحد الماضي 8 مارس 2009م، يذهب المركز الدبلوماسي للدراسات الإستراتيجية إلى أن إيران تشن حربا باردة على العالم العربي من خلال محاور تهديد تشمل التدخل في شئونه الداخلية،والطموح النووي الإيراني،والموقف من عملية السلام . أما الإستراتيجية الإيرانية لتنفيذ ذلك فتشمل التوجه الإيراني نحو تحاشي التعامل مع العالم العربي ككتلة واحدة أو كتل عربية، حيث تصر على التعامل مع كل دولة على حدة.كما أن إيران تقوم بإدارة معسكرات الرفض والمعارضة في الدول العربية حيث ينضوي تحت توجهها هذا حركات حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله، مما يؤدي إلى ضعف الحكومات المركزية في دول العالم العربي ، كما تعمل إيران على تشتيت جهود الجامعة العربية في بلورة موقف عربي موحد حيث نرى سعيها الحثيث في إقامة علاقات حميمة جدا مع بعض الدول العربية مثل سوريا والسودان، وفي الوقت نفسه تصف دول عربية أخرى بأنها الشيطان الأصغر،ولا ترى ضررا من قطع العلاقات معها لسنوات طويلة،مما خلق في أجندة وزارة الخارجية الإيرانية معسكرين عربيين.

ثم حلت كارثة غزة الإنسانية 2009م،فعملت إيران على تشويه مواقف الحكومات العربية،ولم تتردد في انتقادها لدول الاعتدال العربي بشكل موجع حيث نددت الصحف الإيرانية بـخيانة  بعض الدول العربية متهمة إياها بالتقاعس حيال الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، ولم تكن تلك هي القشة التي قصمت ظهر البعير فحسب بل القشة التي أشعلت شرارة حرب استرداد الأدوار مع إيران ، حيث تحول الموقف العربي من الصمت إلى الهجوم.

فما الذي يجري على الجبهة العربية الإيرانية وهل هو نواة لموقف عربي موحد للتصدي لقضايا أخرى ،أم هو جهد يسير إلى الاتجاه الخاطئ ؟
 
المشهد المؤسف على الجبهة العربية الإيرانية حاليا يشبه حرب الاسترداد الاسبانية Reconquista, of Spain التي تم فيها اكتساح المد العربي حتى سقطت غرناطة عام 1492م.حيث كان الاختلاف الديني هو المحرك الأول لتطور الأحداث التي نتج عنها الكثير من أعمال الإبادة Genocide، ولا نبالغ في قول ذلك عندما نتذكر ما صرحت به المملكة المغربية  في ردها على إيران قبل يومين من أن المذهب السني المالكي هو المنتشر والمقبول من أهل المغرب ،وفي الوقت نفسه لم يتوقف الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي عن صفعنا كل يوم مؤنباً على اتساع المد الشيعي في المنطقة .

كما إن مما يستحق الملاحظة،أتساع  جبهة التنديد العربية ضد إيران،حيث لم تعد البحرين لقمة سائغة لتصريحات مستشاري خامنئي من ناطق نوري إلى حسين شريعتمداري فقد  نجح الاصطفاف العربي هذه المرة في جعل الإيرانيين يعتذرون بشكل متكرر مهين، بل إن خطوة المغرب في قطع العلاقات مع إيران له دلالات قوية فهو موقف عربي أصيل،لكنه من جانب آخر يمثل تضامنا متوقعا بين الملكيات العربية إذا أخذنا في الاعتبار أن إبعاد جبهة البوليساريو عن جامعة الدول العربية يعو الى جهود الملكيات العربية بالدرجة الأولى .

تداعيات كارثة غزة الإنسانية 2009م أدت إلى خلط الأوراق العربية الإيرانية بشكل غير مريح ،فهل كان للدهاء الإسرائيلي أو الأميركي دور في ذلك ؟ وهل تلقينا جرعة مخدرة من المحلل الإستراتيجي الأمريكي أنتوني كوردسمان  Anthony H. Cordesman الخبير في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن،  حين ذكر في تقريره، إن إسرائيل نجحت في تحقيق  مكاسب تكتيكية وفشل إستراتيجي .بينما يثبت مايجري حاليا أن الرابح من الخلافات العربية الإيرانية في نهاية الأمر هي إسرائيل ؟ وهل أصبحت سياسات الدول العربية تدار بناء على توجهات القنوات الفضائية التي كانت بوقا إيرانيا نجح في تشويه المواقف العربية من غزة؟

لصاحب صدام الحضارات The Clash of Civilizations صامويل هنتنجتون Samuel   Huntington رأي أنه مع زوال الإيديولوجيات كمصدر للهوية يعود الدين إلى الواجهة ،فهل تكون المذاهب ضمن مصادر الهوية التي قصدها  هنتنجتون؟ وهل تذكيها  سعيرا طموحات جمهورية إيران الإسلامية العجولة وحرب الاسترداد العربية؟

تمر العلاقات العربية الإيرانية بمحطات ساخنة،وإذا أخذنا في الاعتبار أن التقارب مع جمهورية إيران الإسلامية يخدم مصالحنا في البعد الاستراتيجي، وبالتالي لا نرى حرجا إلا في فتح قنوات الحوار مع طهران،والعمل على جعل الجغرافيا والتاريخ والدين عوامل تقارب لا تباعد،فمن الخطأ النظر  ببهجة إلى رفض إدارة المؤتمر 15 للاتحاد البرلماني العربي طلباً لرئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني بإلقاء كلمة في المؤتمر الذي افتُتح في مسقط قبل يومين على انه مكسب سياسي، إلا إن كانت العلاقات الدولية تدار بالفهم الحاد لمواضيع الكرامة ورد الاعتبار،وهي نقيض البراغماتية التي تقول بأن قيمة التحركات تكون في قيمة نتائجها.


 

د. ظافر محمد العجمي- الرئيس التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج

تعليقات

اكتب تعليقك