عمار تقي يثني على الحاج عماد مغنية في ذكرى 'استشهاده' ويصفه بأنه كان وراء انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان وانتصار 2006 وأن بصماته كانت واضحة فى حرب غزة

زاوية الكتاب

كتب 581 مشاهدات 0


 



في الذكرى الأولى لاستشهاد عماد مغنية
 
 
 
الحاج، الشبح، رضوان، اللغز، الأسد، المخطط الممتاز، الرأس الخلاق، أو الثعلب، كلها أسماء وصفات أطلقها نحو 40 جهازا استخباريا عالميا على عماد مغنية، أحد أبرز قيادات المقاومة الإسلامية في لبنان، والذي اغتيل بعملية إرهابية نفذت في دمشق العام الماضي، والذي تمر علينا ذكرى استشهاده في مثل هذه الأيام.
يكاد لا يعرفه أحد، شغل بال الأميركيين والإسرائيليين وعشرات الأجهزة الاستخباراتية العالمية خلال عقدين كاملين. لم تعرف له صورة، إلا أن اسمه ظل مصدر رعب وغموض لأعدائه طوال حياته! يقول روبرت بار، احد كبار موظفي الـ «سي آي إيه» السابقين: «سرت في إثره ولم أتوقف عن البحث عن المعلومات، ولكنني لم أنجح في الاقتراب منه، لقد كان مهنياً ومراوغاً» (يديعوت أحرونوت).
شخصية الحاج عماد أثارت العديد من الجدل، رغم أنه ظل متخفياً طوال ربع قرن! حتى من هم داخل المقاومة الإسلامية لم يعرفوا بهويته الحقيقية إلا بعد استشهاده! يقول الحاج عماد في هذا الصدد وفي سياق حديثه عن سيد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله إنه «ليس أحب إلى السيد من تمضية وقته مع المجاهدين، يكره كل شيء اسمه إجراءات، كان يحسدني على حريتي في الحركة والتنقل بين المواقع والمكاتب من دون مرافقين وإجراءات، وكان يضحك عندما نلتقي بمجاهدين لا يعرفونني وينتظرون إشارة مسؤوليهم ليسمحوا لي بالمرور!». («الأخبار» اللبنانية)
لقد ظل الشهيد الحاج عماد طوال أعوام حياته متهماً بلائحة طويلة من الاتهامات الموجهة ضده، إذ نُسبت إليه العديد من أعمال التفجيرات والقتل والخطف في العديد من دول العالم. كذلك نسجت حوله العديد من الروايات والحوادث التي كان العامل المشترك الذي جمعها هو الماكينة الإعلامية الأميركية والصهيونية التي نسجت تلك الروايات كلها وقدمتها على أنها «واقع» يجب تصديقه لسبب رئيسي، وهو تشويه صورة وعمل المقاومة المشروعة ونعتها بالإرهاب!
وفي تعليقه على تلك الروايات والحوادث، يقول الشهيد عماد مغنية قبل اغتياله في الحديث المنسوب إليه، كما نشرته صحيفة «الأخبار» اللبنانية: «أعرف أن الأميركيين ينسجون الحكايات من حولي، ويرمون عليّ بالمسؤولية عن كثير من الأعمال التي تحصل ضدهم في أكثر من مكان من العالم، وللحظات يصوّرون الوضع كأنني أملك مفتاح الكون!»، لكن الحاج عماد يعود ليفند تلك الادعاءات والمزاعم بالقول: «كان صعباً عليهم الاقتناع بأنني جزء من مؤسسة تدرس خطواتها بهدوء، تصبر وتفكّر وتخطّط لتحقيق ما يجب تحقيقه، ولا تقوم بذلك انفعالاً ولا غضباً آنياً، وهم يعرفون جيداً أن جدول أعمالنا محصور ببند واحد اسمه التخلص من الاحتلال، ودعم المقاومة الفلسطينية، لأن فلسطين سوف تظل مسؤولية الجميع ولو خرج من أهلها من يقول عكس ذلك!».
غزة والشهيد عماد
ورغم الروايات الأميركية والاتهامات الصهيونية كلها التي أُلصقت بالشهيد عماد بغية تشويه ما كان يقوم به من نضال مشروع ضد المحتل الصهيوني بقيت أمامنا بعض الحقائق المؤكدة التي لا تشوبها شائبة، حتى المحاولات الدؤوبة للماكينة الإعلامية الأميركية «وأذنابها» بتشويه صورة الشهيد عماد. الحقيقة الأولى هي أن الحاج عماد كان يقف خلف اندحار القوات الصهيونية في جنوب لبنان عام 2000. والحقيقة الثانية أن الحاج عماد هو الذي قاد الانتصار التاريخي والاستراتيجي الذي حققته المقاومة الإسلامية في حرب يوليو 2006 على العدو الصهيوني بعملية أسر الجنديين الإسرائيليين التي كان قد خطط لها الحاج عماد بعناية فائقة، وكذلك فعل من خلال الجهوزية العالية التي كانت تتمتع بها المقاومة الإسلامية منذ اللحظة الأولى للحرب، واستطاع أن يلحق الضرر الاستراتيجي بالجيش الذي كان يعرف بأنه «لا يقهر»! أما الحقيقة الثالثة فهي تعود إلى الانتصار الذي تحقق قبل أسابيع في غزة، والذي يرجع الفضل في جانب كبير منه إلى الشهيد عماد، فلنتوقف هنا قليلاً...
كانت للحاج رضوان بصماته الواضحة في عمل المقاومة الإسلامية في فلسطين المحتلة. فجميع المراقبين من فلسطينيين وصهاينة وغيرهم أكدوا أن أسلوب عمل المقاومة الفلسطينية بجميع مستوياته خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة يعود إلى مدرسة الحاج عماد التي أسسها في العام 2000 وأرسى معالمها في العام 2006، إذ نجح هذا الأسلوب الذي ابتدعه الحاج عماد بتلقين الصهاينة دروساً قاسية، كتلك التي تلقاها في لبنان طوال حرب الـ ثلاثة وثلاثين يوماً. صحيفة «الاخبار» اللبنانية تطرقت إلى هذا الموضوع بشيء من التفصيل، إذ جاء في إحدى افتتاحياتها: «قبل أيام من انطلاق العدوان على غزة، كان قادة (حماس) ومعهم قادة الفصائل الأخرى قد اختفوا عن مراكز المراقبة التقليدية. وبدا أن خطة إخلاء مُحكمة قد نفذت بهدوء وصمت. وعندما أغار الطيران المعادي، أصاب 150 هدفاً مفترضاً تبيّن أنها كانت خالية! فإذا بالضربة الأولى لم تحقق أياً من أهدافها. فما الذي حصل؟». تجيب الصحيفة عن هذا التساؤل: «لم يكن قد مرّ وقت طويل على هزيمة إسرائيل في لبنان، حتى كان الشهيد عماد مغنية يعيش هاجس نقل التجربة إلى فلسطين. سارع إلى عقد سلسلة من الاجتماعات التي لم تتوقف حتى عشية استشهاده، وهو يتابع ما يعتبره حلمه الأكبر. قال رضوان لرفاقه الفلسطينيين إن شبكة الاتصالات تمثل سلاحاً استراتيجياً، ومعها سلاح الأماكن الخاصة. وخلال وقت قصير، كانت الخطط قد وضعت، وخلال أقل من عام، كانت غزة أمام واقع ميداني يختلف عما ساد هذه المناطق لعقود خلت». ثم تشرح الصحيفة جانباً من ذلك الواقع الميداني الجديد الذي خلفه الشهيد عماد في غزة بالقول: «الهرمية العسكرية لقوى المقاومة، ولا سيما لـ(حماس)، أخذت شكلاً مختلفاً. وأخذت بالاعتبار حرباً إسرائيلية من نوع مجنون. جرت مناقشة الأمور كلها (مع الشهيد عماد)، بما في ذلك طريقة حماية المخزون المتعاظم من القدرات القتالية، وكيفية إبقاء طرق الإمداد قائمة، وكيفية حفظ التواصل بين المجموعات كلها».
هلع وخوف
من جانب آخر، ورغم مضي عام كامل على استشهاد الحاج رضوان، إلا أن اسم عماد مغنية ظل حاضراً أكثر من أي وقت مضى بالنسبة إلى الإسرائيليين! فالخوف والقلق والرعب من عملية الثأر التي كان قد أشار إليها سيد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله من أن العقاب الذي ينتظر الإسرائيليين على تلك العملية الإجرامية سيكون شديداً ومؤلماً! صحيح أن «حزب الله» لم يصرح بمكان وزمان وشكل الرد، إلا أن الكيان الصهيوني ظل أسيراً لهذا الكابوس طوال عام كامل وفي حال استنفار وارتباك متواصل! أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أعلنت حال التأهب القصوى في صفوفها مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للشهيد عماد ونحو ثلاثة أجهزة استخباراتية متخصصة أصدرت تقاريرها بهذه المناسبة! اللواء عاموس يادلين، رئيس الاستخبارات العسكرية، قال: «إن (حزب الله) ملتزم بتنفيذ عملية انتقامية لاغتيال مغنية وعلينا توخي الحذر باستمرار». أما رئيس «الشاباك» يوفال ديسكين، ورئيس «الموساد» مائير داغان، فأصدرا تقريرين بوجوب رفع حال الاستنفار الأمني إلى الحال القصوى وضرورة مضاعفة الحراسة على السفارات والقنصليات الإسرائيلية والمؤسسات اليهودية في كل مكان في العالم، مع تحذير صريح لجميع الإسرائيليين في الخارج بضرورة توخي الحيطة والحذر من أي عملية قد يلجأ إليها «حزب الله» ثأراً لاغتيال الشهيد عماد. ألون بن ديفيد، معلق الشؤون العسكرية في القناة الإسرائيلية العاشرة، عكس جانباً من حال الهلع والارتباك في صفوف الإسرائيليين بالقول: «في الحقيقة يدور الحديث داخل إسرائيل عن إنذار يشمل العالم كله، وهو يتعلق بوجود خشية ملموسة وخطرة من أن يقوم (حزب الله) بخطف إسرائيليين!».
خلاصة القول، لقد قيل الكثير وكتب الكثير عن الحاج عماد مغنية، فصحيح أنه مع اغتيال الحاج رضوان قد طويت صفحة حافلة بالحروب الاستخباراتية بين المقاومة الإسلامية من جهة، وإسرائيل وأميركا وحلفائهم من جهة أخرى، إلا أن حادثة الاغتيال الإرهابية تلك قد فتحت بلا شك صفحات جديدة في مرحلة جديدة ستكون بلا شك أشد قسوة على الكيان الصهيوني. الصحافي البارز في صحيفة «هآرتس» العبرية جدعون ليفي يعلق على هذا الكلام بالقول: «الإنجاز الاستخباري الهائل كان التنفيذ النموذجي للعملية، ولكن في ظل حملة تحذيرات بثت الرعب في صفوف هيئة مكافحة الإرهاب: لا تسافروا ولا تظهروا هويتكم الحقيقية ولا تتجمهروا، توخوا الحذر، حال تأهب قصوى في الشمال، وفي السفارات الإسرائيلية كلها في الخارج وفي التجمعات اليهودية في أرجاء العالم... إن مقتل عماد مغنية كان لعباً بالنار، وهي نار خطرة وحارقة بدرجة لا توصف!».
الشهيد عماد مغنية رحل إلى جوار ربه بنفس راضية مرضية في الفردوس الأعلى، لكنه بلا شك ترك خلفه مقاومة شجاعة وأبية ومدرسة سيبقى ينهل منها المقاومون الأحرار كلهم. وسيبقى الحاج رضوان لغزاً محيراً حتى بعد استشهاده، وكلنا أمل أن الأيام المقبلة ستتكفل بإماطة اللثام عن ذلك اللغز الذي حيّر العقول والألباب.
فالسلام عليك يا عماد المقاومة، السلام على روحك الطاهرة، السلام عليك يا مشعل الحرية والتحرير...


عمار تقي
 

الراى

تعليقات

اكتب تعليقك