أين يجد الشيطان مكانا مهيّأً يرتع فيه ويلعب إن لم يكن في قاعة البرلمان؟!.. يتسائل محمد العوضي
زاوية الكتابكتب مارس 6, 2017, 12:07 ص 958 مشاهدات 0
الراي
خواطر قلم- الشيطان يلعب في البرلمان!
د. محمد العوضي
وأين يجد الشيطان مكانا مهيّأً يرتع فيه ويلعب إن لم يكن في قاعة البرلمان؟!
أحد نواب المعارضة ممن امتنعوا عن المشاركة في انتخابات الصوت الواحد كتب تغريدة تعليقاً على اقتراح بعض النواب لتعديل المادة 79 يمكن وصفها بالسوء وهذا نصها:
( بمناسبة تقديم أصحاب «الأولويات» تعديل المادة «79»
أدعو كل من لديه الفرصة الاطلاع على الكتاب القيم للقاضي والمفكر الكبير علي عبد الرازق ).
وأرفق مع تغريدته صورة الكتاب.
ومن عجائب الاتفاقات أني قرأت التغريدة وأنا في الطائرة التي ستتجه إلى المغرب «الدار البيضاء» لألقي محاضرات في جامعات ومدن عدة أهمها محاضرة «عودة الوعي» مادتها تدور حول الشجاعة الأدبية في مراجعة الذات وتصحيح المسار الفكري عند مجموعة من رموز الثقافة والفكر منهم عبدالرحمن بدوي، زكي نجيب محمود، طه حسين، علي عزت بيغوفيتش، فاضل السامرائي، عبدالوهاب المسيري، عبدالعزيز حمودة، محمد جلال كشك، أحمد الصافي النجفي، شكري عياد، زكي مبارك، منصور فهمي، خالد محمد خالد... وغيرهم
لكني سأبدأ بالقاضي والشيخ علي عبدالرازق الذي غرد به النائب السابق وحث على قراءة كتابه مبدياً إعجابه بالكاتب وكتابه.
ومناقشتي تهتم بالجانب الفكري المحض وليس بالسجال السياسي وتكتيكاته حول تعديل المادة ومتعلقاتها.
ونبدأ بالتساؤلات الصادمة التي تنبه من ليس له وقت للبحث في قصة الكتاب وملابسات تأليفه.
هل يعلم المتحمس للكتاب أن صاحبه تبرأ منه بقوة في أجواء هادئة وبعيدة زمنياً عن الضغوطات السياسية والاجتماعية؟
فكيف إذاً اكتشف القارئ أن علي عبدالرازق لم يكن المؤلف الحقيقي لبعض فصول الكتاب وأن صدوره يفتقر إلى البراءة العلمية والموضوعية في البحث!
بل وأزيدك جرعة فأقول إن الكتاب الذي صدر عام 1925 ضعيف وباهت في محتواه الفكرى وليس فيه شيء من (العمق) كما توهم النائب المغرد حيث يقرر فيه المؤلف المقولة الباردة المملة من أن الإسلام دين لا دولة وأنه رسالة روحية، وأن النبي محمد لم يأتِ ليؤسس نطاماً سياسياً وإنما جاء لينشر قيماً سيراً على خطى من سبقه من إخوانه الأنبياء، وأن حكومة الخلفاء الراشدين كانت لا دينية، والضجة التي اكتسبها الكتاب كان وراءها أن مؤلفه شيخ أزهري… فحسب!!
لذا رحب به العلمانيون واليساريون والماركسيون وخدام الفكر الغربي وعلى رأسهم طه حسين الذي احتفى بالكاتب وكتابه أيما حفاوة!
ومما يدعو للطرافة الممزوجة بالهزل أن القرائن تزداد في إثبات أن طه حسين كتب بعض فصول الكتاب حسب ما ذكر الدكتور محمد الدسوقي في كتابه «أيام مع طه حسين»، وهو ما أكده رئيس لجنة الفتوى في الأزهر أحمد حسن مسلم في لقائه بالمؤلف الذي اعترف بهذه الحقيقة كما جاء في برنامج (مفكرون من مصر) لعصام تليمة.
ويؤكد الدكتور محمد عمارة صلة طه حسين بالكتاب، لكن المفاجأة كانت في بحث الدكتور ضياء الدين الريس حيث كشف في كتابه (الإسلام والخلافة في العصر الحديث) عن مفارقة صادمة في علاقة المستشرق الانجليزي اليهودي مرجليوث الأب الروحي لطه حسين في بدعته حول الانتحال في الشعر الجاهلي، بكتاب علي عبدالرازق!!
وبكشفنا لجوانب ثقافية وعلمية وانتحالات لعلها كانت غائبة عن ذهن النائب السابق نترك الجواب لمن يبحث عن الحقيقة والقراءة الجادة بعيداً عن المناكفات السياسية!
من جهة أخرى لقد ألف العالم الأصيل شيخ الأزهر محمد الخضر حسين كتاباً بعنوان (نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم) وكذا الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية رد عليه في كتاب (حقيقة الإسلام وأصول الحكم) ومعهم علامة تونس الطاهر بن عاشور صاحب التحرير والتنوير فيؤلف كتاب (نقد علمي لكتاب الإسلام وأصول الحكم) وشارك القانوني الكبير عبدالرزاق السنهوري في الرد فألف كتابه (أصول الحكم في الإسلام).
وحتى كبار الأدباء من المعجبين بالثقافة الغربية وأطروحات المستشرقين مثل أحمد أمين فإنه في سني نضجه أورد في كتابه (يوم الإسلام) وهو من أواخر كتبه رأيه في الموضوع إجابةً عن سؤال المستشرق الهولندي له:
هل توافق على نظرية الأستاذ علي عبدالرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم من أن رسالة الإسلام روحانية فقط وليس لها دخل في الشؤون المدنية ولا الدنيوية.
فأجاب: (قلت له لا أيضا لأن الإسلام جاء بنظام ديني ودنيوي معاً…)
لكن تبقى الاعترافات هي الحجة الأقوى والوثيقة الأهم في جدل الأفكار المتعارضة
حيث أكد الشيخ محمد الغزالي في كتابه «الحق المر» تراجع المؤلف عن آرائه مقراً بعدم الاعتداد بها.
وفي سنة 1951 صرح علي عبدالرازق لمجلة رسالة الإسلام عدد مايو، بنقيض ما كان يقوله سلفاً من أن مقولة (ما لله لله، وما لقيصر لقيصر) تنطبق على الإسلام فكان تصريحه الجديد الصادم للمبتهجين بالكتاب:
«عبارة الإسلام مجرد رسالة روحية هي كلمة ألقاها الشيطان على لساني».
والآن وبعيداً عن كل ما قيل حول من يقف وراء هذا الكتاب أو وجود وجهة نظر تخالفها وآراء أخرى تؤيدها، تبقى حقيقة واحدة مجردة وهي ان توبة المؤلف المعلنة وشجاعته الأدبية في نسبة كتابه للشيطان هي المرتكز، وكفى بها وثيقة ودليلاً وفي دمغ كل سمسرة لترويج الكتاب على أنه أطروحة علمية محترمة.
بل إن المؤلف لم يتناول فكرته السطحية الكهنوتية حول الاسلام مرة أخرى لا في محافل ثقافية ولا في غيرها.
وحتى قبل وفاته بشهور عندما زاره مراسل مجلة الهلال لكي يحثه على إعادة طبع الكتاب ونشره رفض.
بعد هذا كله فإن من يقتنع بأن للكتاب قيمة علمية معتبرة أو مصداقية محترمة فاعلم أنه في مرمى الشيطان وملعبه!!
تعليقات