لو كان عربيا لاختار كل الطرق المشروعة وغير المشروعة للبقاء في منصبه.. محمد المطني معقبا على استقالة 'اوغلو'
زاوية الكتابكتب مايو 8, 2016, 11:56 م 797 مشاهدات 0
النهار
نقش- ثقافة الاستقالة
محمد المطني
في تركيا أعلن رئيس الوزراء المنتخب أحمد داود اوغلو استقالته من منصبه وعدم ترشحه لرئاسة حزب الحرية والعدالة الحاكم هناك ، في خطوة شجاعة تعني انتهاء طموح اوغلو السياسي في الفترة الحالية على وجه الخصوص ، الغريب هنا ليس استقالة اوغلو ولكن سبب هذه الاستقالة مثلما تناقلتها وسائل الاعلام ووكالات الانباء ومواقع التواصل الاجتماعي التي غصت بتحليل مثل هذا الخبر المفاجئ.
حدث مثل هذا له دلالات سياسية كثيرة خصوصا أنه مرتبط مثلما وصل إلينا بشخصية محورية ورئيسة في تركيا وهي اردوغان فالاخبار تناقلت سبب اختلاف اوغلو وغضبه ولمحت لخلافات بين اوغلو واردوغان حول تحويل تركيا لدولة رئاسية وحول بعض التدخلات جمعتها وسائل الاعلام في ستة مواضع وهو ما نفاه أو تحاشى اوغلو التصريح عنه في خطاباته الأخيرة والتي ركز فيها على مبدأ سامٍ وهو استمراره في دعم الحزب الذي يؤمن بأفكاره وهي لفتة كريمة من رجل يعرف قيمة العمل الحزبي والتنظيمي وأهمية التضحية من أجل المجموعة.
لا تهمنا كثيرا تفاصيل أسباب ترك اوغلو لمنصبه ولكننا نهتم بالطريقة التي اختار بها اوغلو باحترام ترك منصبه لخلاف سياسي يتعلق بمنطلقاته وأفكاره وطريقة إدارة الحكومة التي يقودها ، لم تكن الاستقالة بسبب جريمة تخل بالشرف والامانة ولا بسبب قضية سرقة اتهم فيها ، ابتعد احتراما لنفسه ولأفكاره بكل شجاعة وبخطاب رائع تابعناه واستغربنا من لغته الراقية نحن معشر العرب ، ما إن فعلها اوغلو حتى سقط في بالي سؤال : ماذا لو اختلف مسؤول عربي مع رئيسه ، هل سيستقيل ويبتعد ؟ أم انه على استعداد لتغيير أفكاره ومنطلقاته واصدقائه ولو وصل الأمر لتغيير اسمه لكي يحافظ على منصبه؟
لدينا كثير من الأمثلة لشخصيات غيرت توجهاتها وأفكارها وقبلت كل شيء لتحصل على المنصب، ولدينا أيضا وزراء تراجعوا عن أفكارهم ليستمروا واعتذروا عن أفكار سابقة ليتم اختيارهم ، كم من الكوارث مرت وكم من الأثمان دفعت من أموال الشعوب ومستقبلها ليبقى مسؤول فاشل وليستمر مسؤول فاسد، أمثلة واقعية لها دلالة على أزمة سياسية كبيرة نعيشها بسبب ارتكاز المناصب على الولاء لا الكفاءة وعلى الاختيار لا الانتخاب.
في العالم العربي يتمسك المسؤول بمنصبه مثل تمسك الغريق بطوق النجاة لا يتركه مهما حصل ولديه الاستعداد لتحمل الاهانة والمرمطة وقلة القيمة ليظفر في النهاية بالمنصب وان كلف ما كلف، وان سقط الضحايا ومات الاطفال وخربت الدار ، أما في تركيا فاختلاف جزئي في وجهة النظر يجعلك تحترم نفسك وتقدم استقالتك التي تنهي مسيرتك السياسية وتفقد بها مناصبك ولكنك تجد نفسك.
لو كان اوغلو عربيا فسيختار مواجهة الاختلاف بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة والتفرغ له ولو احتاج خوض الحروب للحفاظ على منصبه وهذا ما كان سيدمر تركيا ويوقف حالها وخطط تنميتها ، ولكن في تركيا والدول الديموقراطية يختلف الأمر فالحياة الحزبية الصحية هي من تقود عالم السياسة والالتزام الأدبي نحو الأفكار والمبادئ هو من يقرر المصير لا حسابات البقاء والاستمرار ، تركيا تقدم درسا جديدا في احترام النفس عن طريق ما فعله اوغلو... تفاءلوا.
تعليقات