جاسم بودي..أو عبدالله الكويتي يقلب فى رأسه كل هموم الكويت من الحكومة إلى المجلس إلى التوظيف والبورصة

زاوية الكتاب

كتب 561 مشاهدات 0





عبدالله... الكويتي
 
 
الاخ العزيز عبدالله مواطن كويتي يعشق ديرته كل العشق. يستيقظ على متابعة كل تفاصيلها من وسائل الاعلام وجلسات المجلس واجتماعات الحكومة وينام على استشراف تفاصيل اليوم الثاني من كواليس عمله واحاديث الديوانيات واسرار وكالة «يقولون».
ولأن عبدالله من الذين يتمتعون بحد ادنى من القدرة على التحليل والاستنتاج، اصيب بالاكتئاب وهو يرى ان التفاصيل لم تعد تفصيلا سريعا في الحياة العامة. صارت مقدمات كابوس انتقل من النوم الى اليقظة وحواجز سميكة تصد الحلول وتبعدها عن الكويت.
لكن عبدالله عشق التفاصيل وادمنها.
امس، خرج من منزله سيرا الى حيث تقوده قدماه. تذكر تدخل الحكومة في انتخابات اللجان واعلان تكتلات مهمة انها استفادت من هذا التدخل. بدأ يتوقع كيف سيرد الذين اخرجتهم الحكومة من اللجان المهمة او من كل اللجان؟ واين سيرد هؤلاء؟ يستجوبون رئيس الحكومة؟ وزير الدولة؟ وزير المالية؟ وزير النفط؟
تابع سيره مستذكرا المصفاة الرابعة وتسريبات ديوان المحاسبة ومعركة المليارات التي قد يربحها البلد او قد يخسرها. تعددت الارقام والنتيجة واحدة: المصفاة قد تنضم الى ادراج مشروع حقول الشمال.
لكن عبدالله ما زال يعشق التفاصيل، فموضوع المصفاة لا بد ان يذكره بأن سعر برميل النفط الكويتي انخفض تقريبا من 150 دولارا الى 50 دولارا. يعني ان معايير الميزانية العامة للدولة لا بد ان تتغير في ضوء تراجع المداخيل المتوقعة، لذلك لا بد ان يعيد تجهيز الحزام كي يشده على نفقاته حين يطالبه المسؤولون بشد الحزام. انما عبدالله يتذكر ايضا ان ارتفاع اسعار السلع الغذائية الذي قضى على نحو ثلث مدخوله كان بسبب الارتفاع العالمي لاسعار النفط والمحروقات ومشتقاتها. حسنا، اسعار النفط تراجعت فلماذا استمر الغلاء ولماذا يصر من لا ضمير لديه على استغلال الناس في قوتهم؟
وقفت على هؤلاء؟ قالها عبدالله وهو يتابع سيره الى حيث تقوده قدماه. فالازمة العالمية تخيفه وهو بين توقعين: خطوة امنية كبيرة مفاجئة في المنطقة او تراجع سريع يؤدي الى نتائج كارثية ويخلط الاوراق. لم يعد يعرف ما هو السلاح المصوب الى رأس المنطقة ورأسه. صاروخ ام لغم ام بارجة ام دين ام دولار ام برميل نفط؟ ايضا تعددت الاسلحة والمصدر واحد. لم يستطع ان يخفي ابتسامته عندما تذكر ايضا ان احد الاجهزة الامنية في الكويت ترك كل خريطة المخاطر الدولية والاقليمية وانشغل بالتنصت على نواب واعلاميين ورؤساء تحرير وكتاب ومراقبتهم. «لم يتعلموا شيئا مما حصل ولن يتعلموا».
وبقدر ما كان عبدالله سعيدا بحكم البراءة للنائبين عدنان عبدالصمد وأحمد لاري ورفاقهما في قضية التأبين، الا انه يزداد قلقا على الوحدة الوطنية وهو يرى ان المجتمع الكويتي يتفسخ بالطول والعرض بفعل انتشار خبيث ومخفي لظواهر خطيرة قد تظهر دفعة واحدة. كل مكان صار بابه الذي ينفتح قبيلة او طائفة او مذهباً او منطقة. من اختيار الوزراء الى انتخابات المجلس الى تعيينات الادارات والوظائف. تذكر انه زار ديوانية سمع فيها شابا متعلما متخرجا من جامعة كبرى في اميركا يقول انه لم يوظف في احدى المؤسسات بسبب انتمائه الطائفي وانه قرر العودة الى اميركا ليعمل حتى في المطاعم قبل ان يجد عملا في اختصاصه.
لكن عبدالله يعشق التفاصيل، تابع سيره وهو يكمل طريقه الى حيث تقوده قدماه يفكر في خلية الازمة التي شكلتها السلطة في الكويت لمعالجة ما سبق وجال في خاطره. وجد ان الجدل على الضوابط الشرعية اقوى من اي ازمة في الكويت، وان تحجُّب الوزيرتين الفاضلتين نورية الصبيح وموضي الحمود اهم بكثير عند البعض من الازمات الاقتصادية والطائفية والاجتماعية والسياسية والامنية، ومن التحديات الاقليمية وانعكاساتها على الوحدة الوطنية. بل اهم من خطط طوارئ انقطاع الكهرباء في بلد نفطي اسمه الكويت، واهم من تردي الاوضاع الصحية في بلد نفطي اسمه الكويت، واهم من تطوير المدارس التي جلس طلاب فيها على الارض لعدم وجود طاولات في بلد نفطي اسمه الكويت، واهم من تطوير المنشآت النفطية في بلد اسمه الكويت. تذكر عبدالله انه في دولة ترسل مرضاها الى الخارج للعلاج من امراض عادية جدا بدل ان تكون قبلة الخليج والمنطقة ومركزا طبيا متقدما بفعل المليارات التي صرفت على هذا القطاع. وانه في دولة تتفوق على كل الدول في ابتعاث المتخرجين للدراسة في دول اخرى اجنبية وعربية (بعض قياداتها الجامعية درس في الكويت قبل عقود) بدل ان تكون مدرسة المنطقة وجامعة المنطقة. ابتسم مجددا حين تذكر ان الكويت ستصبح مركزا ماليا للمنطقة، طبعا بعد تطبيق الضوابط الشرعية على الوزيرتين الفاضلتين... «انفخ يا شريم» رددها وتابع سيره.
ولعبدالله ولدان، احدهما اقترب من التخرج من الجامعة وهو بين خيارين: اما ان يرسله للتعلم والعمل في الخارج كي لا يدخل «حراج» التعيين الطائفي لدى عودته بشهادة محترمة، واما ان يوقفه في طابور التوظيف لينتظر ظهور اسمه في الجريدة ثم يجول والده من مسؤول الى آخر ومن نائب الى آخر ليقبل رأسه من اجل واسطة تنقل ابنه الى مكان لا يداوم فيه حتى يؤمن له عملا آخر في القطاع الخاص او يتابع دراسته. اما ابنه الآخر فقد انجبه على كبر وهو ما زال في العاشرة من عمره، ويمضي الوقت في مساعدته على فهم كيفية مشاركة المجاهد اليوم قضايا امته وضرورة عدم اللجوء الى الامم المتحدة وموضوع الحور العين في الجنة وكيف يمكن ان يبسطها وبأي طريقة لولد في العاشرة من عمره.
قدما عبدالله الذي يحب التفاصيل قادتاه امس الى «ام التفاصيل» وحاكمة المشهد السياسي في الكويت اليوم. البورصة. شاهد امواله ومدخراته تنهار امام عينيه، وشاهد المتداولين في حالة غضب ومرض وتعب وسخط واعياء. تساءل كي يبقي على تماسكه: هل كل ما سبق وتذكرته عن الكويت هو الذي قاد الجميع الى البورصة؟ هل كانت النافذة الحيوية المتحركة فيما الابواب كلها موصدة؟ هل كانت المركز المالي الذي يمكنك ان تحصل فيه على ربح سريع بالحلال فيما غيرك يحصد ارباحا مضاعفة من المال العام بالحرام؟ هل ما يحصل نتيجة ازمة عالمية فقط ام ترجمة لتراكم عشرات الاخطاء في عشر سنين؟ وهل الحلول المطروحة تخدم شريحة معينة من متداولي السوق في مقابل سحق شريحة اخرى؟ رجل يحب التفاصيل لكنه الآن في لحظة اكتئاب خطيرة بعدما وصل الانهيار الى المقومات التي تكفل له استمرار الحياة الكريمة.
لم يعد عبدالله يعشق التفاصيل، خصوصا تفاصيل الاسهم لانه يرى فيها صورة عن تفاصيل البلد. الآجل، التفسيخ، الدمج، الهبوط السريع، التراجع، الحد الادنى، تبخر المدخرات والمشاريع، كسر الحواجز... واللون الاحمر. حملته كآبته هذه المرة وليست قدماه الى البحر وتحديدا الى جون الكويت القريب من سوق الكويت للاوراق المالية، رأى ان الغرق السريع قد يكون ارحم من الغرق البطيء. فكر في اغراق همومه وتفاصيله ومشاكله وربما اغراق نفسه استنادا الى مؤشر حالة الاكتئاب واليأس. سار على غير هدي فاقداً للبصيرة مشوش الرؤية، كأن قاطرة تسحبه الى مكان آخر ينعدم فيه التفكير وتتبخر التفاصيل. لم يوقف سيره سوى ارتطام رأسه بقوة في حائط قصر السيف. انتبه الى مساره وعاد الى التوازن على قدميه. نظر الى القصر وقال: «عيالي برقبتكم».
عاد عبدالله الى البيت وعاد اليه عشقه للتفاصيل... وللكويت.

جاسم بودي
 

الراى

تعليقات

اكتب تعليقك