حدث بالكويت: سجين رأي لم يكن له رأي أصلا!!

زاوية الكتاب

كتب 11805 مشاهدات 0



لا أريد أن أحول احتجازي 'الخفيف' مدة 48 ساعة إلى دراما بطولية، وأنا أقول 'الخفيف' هنا مجازا لأن احتجازي لساعات لا يعد شيئا بالنسبة لسجناء الرأي بالكويت الذي يمضون سنينا بالسجون بسبب تغريدة أو مقالة، ولن يعتبر احتجازي شيئا إذا ما وقعت سيناريوهات الكوابيس القادمة بحبس نشطاء ورموز سياسية تجري محاكماتهم الآن لمدد طويلة. لكني أورد الحقائق وبعض التساؤلات وبرقيات ضرورية جدا:
كتب الأخ زايد الزيد مقالا قبل ثلاثة أعوام ينتقد فيه وزير المالية السيد أنس الصالح، وكان منطلقه الحرص على المال العام، ورفع الوزير قضية ضدي وضد الزميل زايد بتهمة السب والقذف، فأدلى زايد بإفادته بكل شجاعة ومسئولية بأنه من كتب المقال التي عنونها باسمه وليس باسم مجهول، وبأني لا أعلم عن المقالة شيئا ولا أمتلك منعها أو فرض نشرها فتلك مسئولية الأستاذ زايد-ناشر جريدة ورئيس تحريرها. لكن الوزير أصر على مقاضاتي ووصلت القضية بطريقة ما إلى المحكمة، فحكمت محكمة الدرجة الأولى يوم الخميس الماضي 8-1 بحبسي والأستاذ زايد أسبوعا مع النفاذ دون إبلاغي ودون حضور محامينا أو حضورنا لأنها كانت جلسة للنطق بالحكم وحسب، وهو الأمر الذي يأخذ بالطباعة أياما ثم يبلغ من صدر الحكم ضده، وكنت قد رتبت للسفر مع زوجتي وابنتي صباح يوم السبت 10-1 عبر منفذ المطار، ومن هناك وخلال ساعتين وجدت نفسي بالسجن العمومي ولم أعرف لماذا تم إيقافي بداية ولا سبب منعي من السفر، ناهيك عن عدم معرفتي بأن حكم بالحبس قد صدر ضدي!.
وطيلة تلك الفترة وأنا أتساءل:
أنا كنت وزيرا قبل أن يصبح الصالح وزيرا بسنين، وتعرضت لكافة أشكال النقد المباح وغير المباح، ولم يسلم حتى أقرب أقربائي من الإساءة، واستمر بعض تلك الإساءات حتى يومنا هذا، ومع هذا لم أفكر يوما بمقاضاة أحد قط- لا بشخصه ولا بصفته، لأن من قبل أن يكون بالمسئولية فعليه أن يتحمل النقد مهما قسا، فلماذا حرك الصالح قضاياه ضدي أو حتى ضد الأستاذ زايد الزيد وهو الوزير الذي يمكنه الرد والتفنيد بطرق متعددة على ما ينشر ضده أو يتجاهله تماما إن لم يكن يستحق الرد؟ رابط المقالة:

 http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=125045&cid=30

بل لماذا أصر الوزير أنس الصالح على ملاحقتي شخصيا لمقالة لم أكتبها؟ ولماذا ثابر السيد الوزير بمطاردتي حتى تم حبسي لأصبح 'سجين رأي لم يكن له رأي'؟ أنا لم ألتق بالسيد أنس الصالح في حياتي، فلماذا استمر في رفع القضايا ضدي (هناك قضايا أخرى منظورة رفعها معاليه ضدي).
الإجابة على هذه التساؤلات أتركها للقاريء الفطن!!
الأهم من هذا كله هو أبعاد مثل هذا السلوك وآثره على كويت الحريات والديمقراطية، واستمرار نهج الملاحقة المدمر الذي ستكون آثارة وخيمة علينا جميعا.
صدقا، لم أغضب لحظة في خلال الساعات الماضية، ولم أحقد أو أكره أحدا أو أحمل له أية ضغينة، ولكني حزنت على الكويت حزنا عميقا مؤلما قد لا تظهره قسمات وجهي بسبب طبيعتي، حزنت لما جرى لشباب الكويت من ملاحقات وإهانات، حزنت لما يجري من ملاحقات انتقائية للمعارضة الكويتية، حزنت لانتقائية سحب الجنسية من أشخاص معينة بسبب مواقفهم السياسية، وحزنت لأن السلطة بالكويت تعتقد بأن هذه هي الطريقة الوحيدة لإسكات المعارضين، بل انفطر قلبي حزنا لطريقة التعامل مع النائب السابق والشخصية الوطنية المخلصة- صالح الملا الذي شاركته الزنزانة: موكب مصفح وقيود حديدية وعصب لعينيه وقوات خاصة مدججة بالسلاح!
حزنت لأن التفكير السائد لدى السلطة هو بأنه باعتقال صالح الملا وحبس سعد بن طفلة سيخاف آخرون، غير مدركين أن العكس هو الصحيح، فالشباب يزداد تمردا، ولن يزداد خوفا.
أصابني قلق وحزن على بلادي لأن بيننا بالكويت من يعمل جاهدا على أن نتباعد ونتناحر دون سبب منطقي، في وقت نرقب في الأفق القريب شرر الحرب وصواريخ الدمار، ونحن مشغولون بمتابعة مقالة لكاتب، أو تصريح لناشط سياسي أو تغريدة لشاب على تويتر.
ورغم كل هذا، ولأني أؤمن بأن الكويت أولا وقبل كل شيء، فإني أناشد كل من يهمه أمر هذا البلد إلى المسارعة في خلق أجواء أكثر تهدئة وعقلانية بالتعامل مع مستجدات الساحة، والتوقف عن نهج الملاحقة البائس الذي لن يقود إلا إلى مزيد من التباعد والفرقة. إنني أناشد كل مخلص بأن يتدبر ويدرك خطورة المرحلة التي تمر بها المنطقة، ولن يتأتى إدراك ذلك إلا برص صفوف الداخل، والدخول في مصالحات داخلية تتبادل فيها كل الأطراف التنازلات. إن الكويت بحاجة لفزعتنا جميعا، فليس هذا وقت التشفي، وليس هناك متسع للتفكير بالانتقام، بل إننا مطالبون جميعا بأن نبني جسورا من الحوار والمصالحة يشترك فيها الجميع، وأن نتسامى فوق جراحاتنا الشخصية والمصلحية، ونضع الكويت نصب أعيننا قبل فوات الأوان.

برقيات ضرورية:
-إلى المحامي الأستاذ الحميدي السبيعي: لقد كنتَ أحرص على حرية السجين من السجين نفسه؟ مهنية وتفان وإخلاص وتضحية مجانية-أكرر مجانية، فماذا عساي أن أقول سوى شكرا لك بلا حدود، ولا عجب أن سموك 'محامي الحريات'.
-الشكر لكل من سأل وتواصل من الأهل والأصدقاء والشباب وطلبتي بالجامعة ومحبي الحرية بكل مكان بالعالم: 'يفداكم من راعكم'.
-إلى أنس الصالح: الله يسامحك.
-إلى صالح الملا: 24 سويا بالزنزانة لكنها اختزلت سنين من التعارف والصداقة وأي صداقة يا بومحمد؟
-إلى صديقي: أدرك وافهم ما أنت به من حرج.
-إلى القضاء الكويتي: رغم التحفظات وغرابة بعض الأحكام التي كفل القانون الاعتراض عليها، إلا أنك ملاذا لكل المظلومين ومحرابا للعدالة.
-الكويت مركز للإنسانية هي أسمج نكتة ببدايات القرن الحادي والعشرين.
-إلى من يتساءل: لا أزال عند رأيي بمعارضة نظام الصوت الواحد ومؤمن بموقفي بأن مجلس الأمة الحالي لا يمثل الشعب الكويتي.

 

فلنحافظ على الكويت حرة ديمقراطية بظل دستور 1962 وقيادة سمو الأمير وسمو ولي عهده الأمين.

كتب سعد بن طفلة

تعليقات

اكتب تعليقك