داعيا إلى محوها من قاموس الكويت، ظاري جاسم الشمالي يعتبر قضية البدون فى الكويت حديث اللامعقول فى الفضائيات

زاوية الكتاب

كتب 615 مشاهدات 0





مأساة البدون والعقليات المغلقة
ظاري جاسم الشمالي 
 
أصبحت قضية البدون موضع تندر المتحدثين على الفضائيات العربية، فإذا أرادوا أن يضربوا مثلا على اللامعقول واللامنطقي واللاإنساني حضرت قضية البدون في الكويت كقضية بمثابة فضيحة في عصر تقدمت فيه حقوق الإنسان واتسع فيه مفهوم المواطنية. يذهب الكويتي إلى بلاد الغرب فيحصل على البطاقة الخضراء في أميركا، أو على جنسية أوروبية في بضع سنوات، ثم يعود إلى بلده ليناقش في إمكانية منح إخوة له يقيمون في وطنه منذ الأربعينيات والخمسينيات جنسية كويتية.

بعض الناس يبدو أنه لا يرى نفسه متميزاً في شيء، فيحاول أن يكون متميزا في بطاقة الهوية فهو مواطن من الدرجة الأولى مع ما يتبع ذلك من امتيازات، وغيره مواطن من الدرجة الثانية مع ما يتبع ذلك من ظلم وتعد على حقوقه الشخصية والمدنية. عنصرية واضحة وفاضحة تقف وراء هذه القضية بكل أبعادها، وتؤدي إلى ظهور مجتمع هامشي يعاني من تفشي الأمية والفقر والاستتباع وهناك من يتلذذ على ما يظهر بهذه الصورة ليعوض فيها شعورا بالنقص يشعر به عندما يخرج إلى الفضاء الأوسع.

من المنظور الإسلامي كان الناس يدخلون إلى دولة رسول الله (ص) بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، أو بنوع من العقد الجماعي مع المسلمين والمعاهدة إن لم يكونوا منهم، حق المواطنة في الإسلام سهل وميسر تماما كما هو الدين.

ومن المنظور الحقوقي لا يوجد قانون جنسية في العالم يبقي أجيالا متعاقبة من المقيمين في إقليم الدولة رعايا من الدرجة الثانية، بل الموجود اليوم في عصر العولمة هو إغراءات تقدم للناس لكي يصبحوا مواطنين في دولة عظمى ومتقدمة جدا إذا قيست بالكويت.

والشركات الكبرى التي أصبحت أكبر من كل دول العالم الثالث، قد تصنع موادها الأولية في مكان وتجمع في مكان، وتسوق في مكان اعتمادا على مرونة الدول الصناعية في منح الامتيازات للأيدي العاملة الماهرة.. وبفضل هذا التفاعل تمكنت دولة كثيفة السكان كالهند من القضاء شبه التام على الأمية ونهضت تصدر عمالة ماهرة وطاقات إنتاجية.

نحن في الكويت بحاجة لكل عقل ولكل طاقة تتحدث لغتنا وتفهم ثقافتنا وتلتزم بقيمنا، فكم دفنا من طاقات وعقول عندما دفعنا شريحة كبيرة من إخواننا البدون إلى أن يكونوا فريسة الإهمال والأمية، فيما نحن قادرون بالفعل على تعليم الملايين بما حبانا الله من ثروة.

إلى متى نفقد الوطن مساهمة هذه الشريحة الكريمة من مجتمعنا في نهضة الدولة والدفاع عنها؟، إلى متى نجادل وننتقي بمزاج ضيق ومتخلف من يستحق ومن لا يستحق نعمة الاعتراف بوجوده إنسانا كامل الحقوق بيننا؟، لقد أشبع هذا الموضوع درسا وتمحيصا إلى درجة لا تشير إلى حرص وطني بقدر ما تشير إلى بلادة في مواكبة تحديات العصر وحقوق الإنسان.

فهل نحن بصدد إدخال جماعة من المذنبين إلى أمة من المعصومين؟ ألم نشبع بعد من زهو التميز الفارغ الذي لا يرتكز إلا على بطاقة الميلاد؟... ألم تكشف قضية العمالة الأجنبية تعقيدات أكثر من التعقيدات التي تقف في وجه حل مشكلة البدون.

يجب أن تمحى هذه الكلمة من قاموس الكويت، في عملية إنسانية وحقوقية وإسلامية كبرى شعارها الأساس: «إنما المؤمنون إخوة».. «وإن أكرمكم عند الله أتقاكم». هذا هو الدستور الذي تركع أمامه الدساتير.
 
 

النهار

تعليقات

اكتب تعليقك