الكويتيون يسيرون عكس التطور والتقدم!.. هذا ما يراه حسن كرم

زاوية الكتاب

كتب 802 مشاهدات 0


الوطن الفن والقانون ومأزق الإبداع (1 – 2) حسن علي كرم اذا حبست طائراً (كرواناً) مثلا في داخل قفص حديدي واهملت عنايته، فهذا الطائر سيصاب بالاكتئاب ويمتنع عن التغريد كما كان يغرد عندما كان حراً طليقاً يطير في الهواء من غصن الى غصن ومن شجرة الى شجرة ويطير في الفضاء الواسع حيث يتنقل من مكان الى مكان ومن بيئة حارة الى بيئة باردة ومن بيئة باردة الى بيئة دافئة، لذلك فلقد كانت المحابس ووضع القيود والاصفاد من افظع الاعمال على النفس الحرة والمنطلقة. ربما هذا التشبيه بين طائر محبوس في قفص حديدي أو ذهبي وبين الانطلاق الحر من مكان الى مكان هو ليس كل ما يمكن الحديث عنه حتى نفهم ماذا تعني الحرية وما علاقة الحرية بالابداع الذي هو اساس الفن واساس كل مبتكر ومبتدع جديد. الابداع ضد القيود، مهما كانت تلك القيود قوانين وضعية أو عادات واعراف اجتماعية أو محاذير دينية لأن العقل البشري عقل مبدع ولم تكن الانسانية ان تصل الى ما وصلت اليه من التقدم المذهل في كل شيء لو لم يكن فضاء العقل واسعا وقابلا للاتساع والابتداع. لقد قال الله تعالى عن نفسه {ويخلق ما لا تعلمون} وان الله جلت قدرته علم الانسان ما لم يعلم، علم الانبياء والرسل وخلصائه بمواجهات الحياة والعيش على الارض، فالله الذي خلق الانسان واحسن خلقه لم يتركه لكي يهيم كالبهائم على وجهه وانما هو رقيب عليه يوجهه على نحو مباشر أو بالوسطاء، مثلما اوحى الى نوح عليه السلام بصنع الفلك، وداود بخياطة الملابس وصهر الحديد وعلم ابن آدم دفن الموتى بواسطة الغرابين.. وهكذا، لذا فإن الله رحيم على الانسان، لكن الانسان هو الذي ظلم نفسه وضيق على نفسه، فالله سخر كل الكون في خدمة الانسان، وكان على الانسان ان يسخر هذه النعمة لصفاء معيشته ولرقي آدميته كما شاء الله. من هنا ينبغي القول عندما نستقبل كل يوم مبتكرا جديدا فذلك لم يكن ليحدث لولا ان الله كان وراء ذلك المبتكر عندما اوحى لذلك المبتكر بالعقلية الفذة لابتكار ذلك الصنع.. وهذا المراد لمعنى ويخلق ما لا تعلمون (والله اعلم). ان حبس العقل في قمقم القيود والقوانين والعادات والتقاليد والاعراف الجامدة لن يكون الا جمودا لسنة التطور التي شاءها الله لخلقه من بني البشر، والا لماذا قال اسعوا في مناكبها مثلا؟.. فالسعي ليس معناه السير بلا هدف وانما السعي من اجل الكسب والاكتساب والبحث عن الرزق والمكان الاكثر امانا والافضل معيشة. ولكيلا اشط بعيدا عن اصل الموضوع الذي هو علاقة الفن والابداع بالقوانين، ولا سيما القوانين المقيدة والمانعة لحركة المبدعين، فللاسف نرى بإننا هنا في الكويت نسير عكس التطور والتقدم. فلو راجعنا حركة الفن وحركة الابداع خلال الخمسين سنة الماضية ومقارنتها بالحاضر المعاش لرأينا ان الكويت كانت في تلك الاحقاب متقدمة بسنوات ضوئية طويلة على زمننا الراهن، وهذا ما يجعلنا نتساءل هل نحن نسير الى الامام أم نتقهقر الى الخلف…؟!! لعل هذا السؤال في ظني أراه هو السؤال المركزي الذي ينبغي ان يطرح على مستوى الدولة وبين الطبقات المثقفة والفنانين على مختلف مشاربهم موسيقيين ومغنين وملحنين وشعراء وممثلين ومصورين وتشكيليين ونحاتين وقصاصين وروائيين وكتاباً واعلاميين وكل العاملين في مجال الفكر والابداع والعلوم. الامر المؤكد ان الابداع لا ينحصر في عمل معين وانما الابداع هو الافق الواسع الذي يتسع لكل الابداعات وفي كل الاعمال في رسم لوحة زيتية أو تمثال منحوت، أو في تصميم سيارة أو في تصاميم الازياء، أو في الهاتف الخلوي أو في التمثيل وتجسيد الشخصيات أو في رواية تنحو على الخيال الواسع، أو في قطعة موسيقية، أو في صوت شجي ولحن جميل، كل ذلك وكثير من الاشياء تُصنف ضمن قائمة المبتدعات ولا يمكن ان نقول ان تصميم هذه السيارة يدل على الابداع ولا نقول ذلك على اللوحة الزيتية أو المنحوتة الحجرية أو ان نبدي اعجابنا بالهاتف الذكي أو الخدمات المتعددة فيما نمتعض عن سماع موسيقى أو غناء جميل أو تمثيل على خشبة المسرح. ان الذين يستحسنون اشياء ويستكرهون اشياء كالغناء والموسيقى والرسم لا ريب ان هؤلاء يعانون من اضطرابات نفسية والفهم الخاطئ لما يتشكل ذلك من قيم فنية وثقافية وحياتية، فالرسم والموسيقى وكل الفنون الجميلة مرتبطة بالحياة المعيشية وبالذوق العام، ولو كان الله قد خلق الناس على مستوى واحد في الوعي العقلاني، لما وصلت الانسانية الى ما وصلت اليه من التقدم والرقي. ان ربط الفنون (خاصة) الرسم والموسيقى بالتفسيرات الدينية يدل على الالتباس وعدم فهم، ذلك ان حياتنا المعيشية قائمة على فنون الرسم وتذوق النقوش والالوان. فالمعماري الذي يصمم بيتك يمارس الفن، واختيارك لألوان ملابسك يدخل في سياق التذوق الفني، وكذلك لون سيارتك، وواجهات منزلك، فالله جميل يحب الجمال. من هنا، ينبغي القول، ان احدى مؤشرات التقدم والتطور هو رعاية الفنون ورعاية الفنان وتوفير الاجواء المناسبة للخلق والابداع وهذا لا يعني قطعا ان نقول عن الابتذال ابداعا.. (البقية في مقال قادم ونتناول فيه القوانين والرقابة والاحتراف..).
الوطن

تعليقات

اكتب تعليقك