جناسي... أم صكوك غفران؟! بقلم دلال الردعان
زاوية الكتابكتب أغسطس 14, 2014, 11 ص 3932 مشاهدات 0
قبل فترة ليست ببعيدة كثر الحديث بين الأوساط الاعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي عن عزم الكبار في الدولة على فتح ملف الجنسية وسحبها من المحرضين حديثي الجنسية..وتأكدت هذه الأخبار بتكليف وزير الداخلية باتخاذ إجراءات بهذا الخصوص بما يكفل ضمان شرف المواطنة والانتماء الوطني ضمن أحكام الجنسية الكويتية..الجدير بالذكر أن ملف الجنسية ليس بحديث العهد بل قد يعود تاريخه إلى الخمسينات حتى قبل صدور الدستور..وأحكام الجنسية وفقاً لمادة 13 تمنح الدولة حق السيادة بسحب الجنسية لمن اكتسبها إذا استدعت المصلحة العليا للدولة أو أمنها الخارجي وإذا ما توافرت الدلائل لدى الجهات المختصة على قيام الشخص بالترويج لمبادىء من شأنها تقويض النظام الاقتصادي أو الاجتماعي في البلاد وانتمائه لهيئة سياسية خارجية..وعندما نقيس هذه الأحكام على ظروف الوقت الحالي فإننا نرى أن للدولة الحق بسحب الجنسية من الأشخاص الذين يروجون لأي مذاهب سواء كانت سلفية أو شيعية أو حتى نظريات شيوعية أو تنظيمات إرهابية.. ولكن هل يمنعنا هذا الحق السيادي بسحب الجنسية من طرح تساؤلات كانت ومازالت تعصف بأذهاننا؟ هل يبرر هذا الحق التجنيس العشوائي الذي قامت به الحكومة والذي خلق ثقافة الفوضى والازدواجية في الولاء والإنتماء وجعل الكويت في نظر الكثير من المستفيدين من هذا التجنيس مجرد ' بطاقة تموين'؟ هل تعطي هذه السيادة الصلاحية لتجنيس غير المستحقين وممن ارتكبوا جرائم النصب والاحتيال والأعمال الإرهابية والاعتداء على المواكب الاميرية ؟ وبالمقابل يحرم الكثير من مستحقي الجنسية أن ينالوا شرف المواطنة هذا؟
فإذا ما تحدثنا عالميا' لوجدنا أن أغلب الدول الراعية لمفهوم حقوق الإنسان العالمي لديها أيضا قوانين صارمة لسحب الجنسية من مواطنيها المتورطين في أعمال تقوض دعائم الدولة وهذا ما يطلق عليه (Denaturalization ( ففرنسا مثلاً سحبت الجنسية ممن تورط من مواطنيها بالاعتداء على الأمن الفرنسي أيام الثورة وكذلك بريطانيا نزعت الجنسية من بعض مواطنيها الذين قاتلوا إلى جانب تنظيمات إرهابية أما الولايات المتحدة فقد حرمت بعض الأمريكيين من حق المواطنة لما قاموا به من أعمال نصب واحتيال وجرائم إرهابية وضد الإنسانية.. لذا الحق السيادي للدولة في سحب الجناسي قد لا يختلف عليه اثنان فله مبرراته وأهدافه.. ولكن ما يجعل الأمر مزعج ويشغل حيز كبيرمن تفكير ووجدان وردة فعل المواطن هو الكيل بمكيالين في استخدام هذا السلاح الجديد والانتقائية في استخدامه؟ فتارة تسحب الجناسي ممن لم يشهدوا حملة إحصاء 1965 بينما الكثير من فئة 'البدون' شهدوا هذه الحملة ولم تمنح لهم هذه الجنسية..وتسحب من أشخاص ذو مكانات علمية وأكاديمية ونيابية وتمنح لمهرجين وفنانين بل وأحياناً لبعض الساقطين تحت غطاء' أعمال جليلة'..وسياسة سحب الجناسي ليست بجديدة.. فلقد استخدم مثل هذا السلاح منذ فترة ضد شخوص شيعية وسنية دينية كانت أم سياسية خاضوا في أمورمحظور الخوض فيها بل وأساءوا فيها النقاش.. أو قد عبروا عن وجهات نظر مخالفة للمألوف أو بالأحرى المطلوب.. وللأسف كان ذلك أمام صمت رهيب وتصفيق حار من أطياف معارضة ونيابية ضغطت بقوة لتفعيل هذه السياسة والمساهمة بالتجريد من هوية المواطنة لهؤلاء.. ولم تعي هذه الأطراف أنها قد تجد نفسها يوماً ما بذات الموقف..ليس لذنب سوى أنهم سمحوا بمطاطية هذه الأحكام...إن سياسة سحب الجناسي هذه أقرب ما تكون في نظري إلى صكوك الغفران التي كانت تمنحها الكنيسة لمن أساءوا الأدب في ظلمات العصور الأوربية .. لأن استخدام هذا السلاح للمعاقبة السياسية البحتة أمر مرفوض قيمياً وشعبياً وإنسانياً ..ويخطىء من يعتقد بفعالية وجدوى مثل هذا السلاح .. ولو كان الأمر كذلك لسحب المالكي جنسية حيدر العبادي وهو الرئيس العراقي الجديد عندما قام بنشاط معادي للنظام بل اكتفى بسحب جوازه.. ولكان من المفترض بالرئيس بوش أن يسحب جنسية أوباما المتجنس لأنه كان ضد حرب أمريكا على العراق ودائماً ما كان يطعن به..
لست بذات باع سياسي ولست ضالعة بالقانون ولكن من وجهة نظري كإختصاصية نفسية أرى ان سياسة سحب الجناسي... هي حقبة مظلمة للبلاد قد لا تحمد عقباها.. وعقوبة قاسية ومربكة نفسياً واجتماعياً ومادياً..فلك أن تتخيل أن تفقد أمانك النفسي واستقرارك النابع من إنتمائك الوطني حينما تجرد من مواطنتك في يوم وليلة..وتسلب هويتك ويقرر مصيرك وتنتقل لحالة من الضياع النفسي والفكري أنت وأولادك وأسرتك.. هذا إذا سلمنا بأن الأبناء يعاقبون بذنب آبائهم ..لك أن تتصور كم الألم النفسي بأن يطلق عليك وعلى أبنائك لقب'غير كويتي' بعد ان كنت تعيش وتسكن وتنام وتنعم وتطمئن وتحب وتعشق بل وتتنفس هواء الكويت....ماذا تتوقع أن تفرز مثل هذه المأساة من مآسي؟ .. جيل جديد فاقد للأمن ومهدد بفقد الهوية بأي لحظة.. قد يملؤ قلبه الحقد والكره بل وحتى الانتقام ليكون ذريعته الزائفة للإنتماء لتنظيمات تهدد أمن من كانت أرضه..عوضاً عن الحقد والكراهية بين أفراد المجتمع وإيقاظ الفتنة والطائفية النتنة وهذا ماشهدناه في الفترة الأخيرة من التراشق بالأصول والأحقية بالجنسية لفرد دون الآخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي والفتوى بأصالة قبيلة أو عائلة دون أخرى ...بل تعدى الأمر ذلك بأن ينصب البعض أنفسهم كقضاة ويعطون انفسهم الصلاحية بأن يطالبوا بسحب جناسي افراد وشخصيات معينة.. ألم يكن هذا الشعب المختلف المذاهب والاطياف البنيان المرصوص أيام العدوان العراقي...لماذا يود البعض ان يفرق الروح الواحدة للشعب الواحد؟ هذه الافرازات التي لم تحسب لها الحكومة أي حساب..... والبقية آتية لا محالة ان استمرت هذه السياسة.
لهذا لابد أن تتوقف القاعدة القانونية الانتقائية في هذه السياسة .. وبنفس الوقت لابد ان ينال المحرض والمهدد للامن القومي عقوبته ولقد تعددت العقوبات وتنوعت بما يتناسب والجرم.... ولكن ليس على حساب المواطنة والهوية الوطنية..أما الجنسية..فهم يرونها بطاقة تموين.. وورقة إثبات..وسلاح تهديد ونحن نراها إنتماء وحق بلا منازع مرفوض سلبه.. وحب لا ينتهي و لو انتهت بنا الأعمار..يبقى محفور بالأعماق والقلوب يمنحنا الحب والامان لهذه الارض الحنون والام الرؤؤم...فلتكن الرؤيا بعيدة المدى ومدروسة الخطى ... فليعلم الجميع أنك في سياسة سحب الجناسي فأنت تتعامل مع أجيال ...آباء وأبناء وأحفاد بالمستقبل .. ونفوس ومشاعر وليس أوراق رسمية تسحب متى ما حلت عليهم العقوبة ولم يعودوا يستحقوا صكوك الغفران وطردوا من الرحمة.
تعليقات