شعار رابعة.. بقلم محمد البداح
زاوية الكتابكتب أغسطس 14, 2014, 6:28 م 1467 مشاهدات 0
'وبالنجم هم يهتدون' - الآية 16 من سورة النحل
تمر علينا هذه الأيام ذكرى مجزرة رابعة العدوية، وكنت قد كتبت بعض الكلمات من قبل، وأرى أنه من المناسب ذكرها الآن لما لها من ذكرى أليمة علينا جميعاً.
لفت انتباهي وجود الآية الكريمة السابقة في صورة لإعلان دعائي بجانب صورة للسيسي وذلك خلال فترة الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة، وقد استغربت من استخدام حملة السيسي لهذه الآية وكيف ظنوا أنه إسقاط جميل كشعار لقائد المرحلة النجم، والأغرب أنهم كانوا يحاربون بشراسة قضية القلق من الخلط بين الدين والسياسة أو محاربتهم لما يعرف ب 'أخونة الدولة'، لم استشهدوا بتلك الآية؟ أم أنه نجم بالفعل؟!
تكرر اللبس عند البعض أو الظن بأنني من حدس أو ما يعرف بالإخوان المسلمين، وقد يكون ذلك لبعض الآراء التي بدرت مني في الماضي أو من خلال النقاشات مع الزملاء أو لمجرد الرفع في حسابي على مواقع التواصل الاجتماعي لشعار رابعة الذي يرمز لمجزرة مسجد رابعة العدوية في مصر.
بصراحة لا اهتم كثيراً لما يعتقده البعض أو مايظنه الناس عن انتمائي الفكري، ومن الآخر لو كنت من حدس أو الإخوان لقلت ذلك بلا تردد، نعم لي علاقات عادية مع بعضهم ولي أقرباء منهم. وفي فترة ما من فترات الصبا رافقت بعضهم لكني لم أنتمي فعلياً أو بشكل رسمي لهم في يوم من الأيام، وفي أغلب مراحل الشباب كنت قد ترعرعت على فكر مغاير، قريب من الفكر الليبرالي، كنت أظن أني منهم، وكانت مرحلة سهلة ومريحة الى حد ما، فلم أواجه صراعات كبيرة ولا حركات تنظيمية تعمل وفق برامج محددة، ولا صراعات هوية أو صراع على كرسي أو منصب أو حتى تجمع، على الأقل هكذا كنت أظن.
بالطبع كانت هناك صراعات لكن ليست بالوتيرة أو الحدة التي نشهدها اليوم، وبالطبع أيضاً لصغر سني آنذاك لم أكن في دائرة المعرفة ولم أستوعب الكثير من الأحداث.
كنت أظن أن أمتع مافي هذا الفكر هو التحرر من الالتزامات الكثيرة وسلاسة التعامل مع الآخرين...تقبل بهذا أو ترفض ذاك وبعدها تروح تنام.
بالتأكيد كانت هناك شخصيات بارزة زرعت فينا حب الحريات والدفاع عن الحقوق أتوا من هذا الفكر، وأصبحوا رموز مثل الربعي، المنيس، والخطيب.
لكن اليوم وللأسف تغيرت المرحلة، وخيب آمالنا وآمال الجيل الحالي هذا الفكر الذي لم يعد له وجود يذكر ولا وجود لشخصيات مثلهم تحاول أن تحقق أي شيء من أجل الحريات وحقوق الانسان ولا حتى كفاح من أجل حقوق منتهكة، اختفوا ولا وجود لشخصيات مثلهم تحمل أو تعبّر عن هموم الشعب وتحمل مطالب حقيقية واضحة، ولا أريد أن أبخص حق الشخصيات الحالية في المعارضة المحلية، لكن على المستوى الإقليمي، التيار المتحرر أو الليبرالي سمه ماشئت، انكشف على حقيقته خاصة بعد انقلاب مصر في 3 يوليو، فكما كانوا يتهمون الإخوان بأنهم سلموا الثورة للعسكر هم أيضاً رموا أنفسهم في أحضان العسكر قبل وبعد الانقلاب والجميع ترك الميدان، بالطبع مازال هناك ليبراليين قلة من الذين مازالوا يحملون بعض المبادئ ويحاربون من أجلها لكنهم يظلون قلة وتأثيرهم محدود.
مادفعني لرفع شعار رابعة هو في أقل تقدير تعبير تضامن شخصي مع أناس أرى أنهم كانوا يعبرون عن رأيهم بحرية وتم التنكيل بهم وقتلهم واعتقال الآخرين منهم وزجهم بالسجون، هذا هو السبب بكل بساطة، ولا علاقة لي من أي فصيل كانوا هؤلاء الأبرياء.
بالطبع كانت هناك حوادث أخرى مثل مجزرة النهضة والاتحادية وغيرها، وأنا مع الوقوف والتضامن والتعبير عن تلك الأحداث لكن لم يكن هناك شعار واضح لهم كشعار رابعة الذي كان له صدى كبير ووصل للعالمية بسرعة غير عادية لدرجة أنه تم عمل تقارير إخبارية عن الشعار فقط.
المضحك والمثير للشفقة هو تخلي الكثير اليوم عن هذا الشعار، فمثلاً في دولة الشقيقة الكبرى تخلى بعض الرموز الاعلامين والسياسين البارزين عن الشعار بسرعة، كسرعة اتخاذ القرار الحكومي المصري بتصنيف جماعة الإخوان كجماعة إرهابية.
كنت أراقب ردود العامة، خاصة في تويتر وهم يستنكرون عليهم إزالة الشعار، طبعاً بعضهم يرد بتخبط والآخر كان لا يرد،
هل هو فرز ايضاً ؟ هل هو استسلام، ملل؟ لا أعلم.
وبصراحة كنت أفكر خلال شهر رمضان المبارك الماضي إزالة شعار رابعة من الحساب، واليوم بعد هذا المقال سأفعل ذلك وأنا مرتاح الضمير، وبملئ إرادتي أزيل هذا الشعار وأتساءل هل فعلاً وصلنا الى مرحلة أننا لا نطيق حتى وضع صورة رمزية أو تعبير تضامني من أجل أي قضية كانت؟ هل فعلاً بعضنا لا يستطيع مشاهدة شعار؟ الحمدلله أننا مازلنا في الكويت ننعم بهامش للحرية والتعبير، ونسأل الله أن يتسع هذا الهامش ويكبر ولايضيق والله يعين الأوطان أو الشعوب الاخرى التي لا تتحمل أن يوضع فيها شعارات كهذه.
الغريب أيضاً هو تجني البعض والسخرية من هذا الشعار'ناهيك عن وصف البعض له بأنه يرمز للماسونية' ولا أجد سبب مقنع إلا أنهم يتشمتون بهم.
المصيبة حقيقةً كانت تجاهل هؤلاء للأطراف الرئيسية التي تسببت في هذه المجزرة وجعلت منه شعار عالمي والتي تثبت كل يوم كم هي هزيلة تلك الأطراف.
والمؤلم فعلاً هو معرفتي لبعض الإخوة الذين هم أقرب مني لرابعة العدوية لكنهم لم يرفعوا هذا الشعار. فأنا اليوم أزيل هذا الشعار وأنا مرتاح لأنه بنظري على الأقل أنا انتصرت للحق وليس لفئة ما، انتصرت لمظلومين بغض النظر عن انتمائهم، لكن استغربت ركود الآخرين والذين هم أقرب للشعار مني، ربما لأن لديهم قلق من أن يتم تصنيفهم من الإخوان؟ طيب وهل كل من تظاهر في رابعة العدوية كان من الإخوان؟ إذا كان الجواب لا فأنت ظلمت بصمتك كل من وقف هناك من المستقلين والأحرار المتضامنين من أجل الشرعية.
حسب تقرير المنظمة العالمية لحقوق الانسان والذي صدر مؤخراً وبعد عام من المجزرة، قدرت المنظمة ان الحادثة تفوق مذبحة ميدان تينانمين الصيني وتساوي من حيث البشاعة مع مجزرة أنديجان في أوزبكستان.
هذه اتهامات خطيرة تصدر من منظمة لديها الخبرة المستفيضة في هذا المجال.
وحسب تقديراتها ايضاً فأن اعداد القتلى وصل الى 800 شخص والجرجى بالآف، ولو سلمنا بهذه التقديرات فهو ايضاً عدد كبير.
وضع شعار تضامني ليست هي الكارثة وإذا كنا نقلق (أو نخاف) من التصنيفات الى هذه الدرجة فنحن أقل من أن يطلق علينا نشطاء، أو حتى قراء أو شخصيات تحمل أي فكر أو مبادئ نحميها أو نقدمها لمجتمعاتنا، إذا كنا نقلق من التصنيفات فلن نتقدم خطوة إلى الأمام، ويكونوا قد انتصروا في ترويعنا وتفريقنا كأمة، إذا كنا نقلق من التصنيفات فسنظل دائماً نبحث عن المنقذ للوضع المزري بدلاً من أن نكون جزء من الحل، إذا كنا نقلق من التصنيفات فنحن نساهم بطريقة غير مباشرة في تشجيع الطرف الآخر للتمرد والتوسع اكثر، إذا كنا نقلق من التصنيفات فنحن أقل من نصنع لنا واقع جديد أو ندعي أننا نسعى لمستقبل أفضل، إذا كنا نقلق من التصنيفات بسبب ضغوط خارج عن سيطرتنا فنحن إذاً وضعنا أنفسنا في سجن ولن نستطيع الخروج منه إلا إذا واجهنا الحقيقة وأزحنا هذه الضغوط.
إذا كنا نقلق من التصنيفات فكيف سيتم تغيير واقع مخزي مثل الدولة العميقة؟
وإذا كانت الشعارات ترعبهم فهم أضعف من أن يستمروا في المقدمة، وإذا كانت المسيرات السلمية والتظاهر السلمي يرهبهم فهم أسوأ من أن نسمع لهم.
مصيبتنا أن الجميع يتذاكى ويلتزم الصمت حتى يقنع نفسه أنه على صواب، وكأننا ملائكة تهمس، ويتم ذلك على حساب مبادئنا وقيمنا وأخلاقنا في وقت دقيق جداً، وقت فيه شعوب المنطقة تتطلع إلى النهوض في السعي لنيل حقوقها.
لكن اليوم انتهت مسرحية الانتخابات وسقط النجم قبل يومين من موعد الانتخاب، وانتهى العرس الديمقراطي الهزلي وفاز شعار رابعة في كل الجولات بدون أن يكون له مرشح واحد.
باعتقادي قد يكون خيراً لنا أن ندرك أننا اتخذنا موقف في تلك الفترة من التاريخ من أن نتذكر أننا كنا مجرد متفرجين على الأوضاع، وبرأيي الفئة الوحيدة التي كانت أفضل منا تفاعلاً وقوة وإدراكاً هي من رفعت شعار التوحيد في نفس تلك الفترة، هؤلاء يعلمون حقيقة المعركة.
أخيراً قد يكون غاب عن جماعة حملة النجم اللامع ذكر العظيم الجبار في نفس السورة ، سورة النحل أيضاً وبالتحديد الآية 76 ' وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كلٌ على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم '.
تعليقات